فصل: زِيَادَةُ الرَّهْنِ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الأم ***


الرَّهْنُ يَجْمَعُ الشَّيْئَيْنِ الْمُخْتَلِفَيْنِ مِنْ ثِيَابٍ وَأَرْضٍ وَبِنَاءٍ وَغَيْرِهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ إذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ أَرْضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِبِنَائِهَا فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الْبِنَاءِ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ أَرْضَهُ، وَلَمْ يَقُلْ بِشَجَرِهَا فَكَانَ فِيهَا شَجَرٌ مُبَدَّدٌ أَوْ غَيْرُ مُبَدَّدٍ فَالْأَرْضُ رَهْنٌ دُونَ الشَّجَرِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ شَجَرًا وَبَيْنَ الشَّجَرِ بَيَاضٌ فَالشَّجَرُ رَهْنٌ دُونَ الْبَيَاضِ، وَلاَ يَدْخُلُ فِي الرَّهْنِ إلَّا مَا سُمِّيَ، وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرًا قَدْ خَرَجَ مِنْ نَخْلَةٍ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ بَيْعُهُ وَنَخْلُهُ مَعَهُ فَقَدْ رَهَنَهُ نَخْلاً وَثَمَرًا مَعَهَا فَهُمَا رَهْنٌ جَائِزٌ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ لَوْ مَاتَ الرَّاهِنُ أَوْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا أَنْ يَبِيعَهُمَا مِنْ سَاعَتِهِ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ إلَى أَجَلٍ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِهِ قَبْلَ أَنْ يَحِلَّ أَوْ يَمُوتَ فَيَحِلُّ الْحَقُّ‏.‏ وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ فِي هَذَا الرَّهْنِ جَائِزًا إلَى أَجَلٍ فَبَلَغَتْ الثَّمَرَةُ وَبِيعَتْ خُيِّرَ الرَّاهِنُ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ ثَمَنُهَا قِصَاصًا مِنْ الْحَقِّ أَوْ مَرْهُونًا مَعَ النَّخْلِ حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ‏.‏ وَلَوْ حَلَّ الْحَقُّ فَأَرَادَ بَيْعَ الثَّمَرَةِ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا دُونَ النَّخْلِ لَمْ يَكُنْ لَهُ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَرَادَ قَطْعَهَا وَبَيْعَهَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لَهُ الرَّاهِنُ فِي ذَلِكَ، وَلَوْ رَهَنَهُ الثَّمَرَةَ دُونَ النَّخْلِ طَلْعًا أَوْ مُؤَبَّرَةً أَوْ فِي أَيِّ حَالٍ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ مُؤَجَّلاً إلَّا أَنْ يَتَشَارَطَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ إذَا حَلَّ حَقُّهُ قَطْعَهَا أَوْ بَيْعَهَا فَيَجُوزُ الرَّهْنُ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمَعْرُوفَ مِنْ الثَّمَرَةِ أَنَّهَا تُتْرَكُ إلَى أَنْ تَصْلُحَ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ؛ لِمَعْرِفَةِ النَّاسِ أَنَّهُ يُتْرَكُ حَتَّى يَبْدُوَ صَلاَحُهُ، وَأَنَّ حَلاَلاً أَنْ تُبَاعَ الثَّمَرَةُ عَلَى أَنْ تُقْطَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَعْنَى الَّذِي نَهَى عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهَكَذَا كُلُّ ثَمَرَةٍ وَزَرْعٍ رُهِنَ قَبْلَ أَنْ يَبْدُوَ صَلاَحُهُ مَا لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ فَلاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا عَلَى أَنْ يُقْطَعَ إذَا حَلَّ الْحَقُّ فَيُبَاعُ مَقْطُوعًا بِحَالِهِ‏.‏ وَإِذَا حَلَّ بَيْعُ الثَّمَرِ حَلَّ رَهْنُهُ إلَى أَجَلٍ كَانَ الْحَقُّ أَوْ حَالًّا، وَإِذَا بَلَغَ، وَلَمْ يَحِلَّ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ لِلرَّاهِنِ بَيْعُهُ إذَا كَانَ يَبِسَ إلَّا بِرِضَا الْمُرْتَهِنِ فَإِذَا رَضِيَ قِيمَتَهُ رُهِنَ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ الرَّاهِنُ فَيَجْعَلَهُ قِصَاصًا، وَلاَ أَجْعَلُ دَيْنًا إلَى أَجَلٍ حَالًّا أَبَدًا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ صَاحِبُ الدَّيْنِ، وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَزِيَادَتُهَا فِي عِظَمِهَا وَطِيبِهَا رَهْنٌ لَهُ، كَمَا أَنَّ زِيَادَةَ الرَّهْنِ فِي يَدَيْهِ رَهْنٌ لَهُ، فَإِنْ كَانَ مِنْ الثَّمَنِ شَيْءٌ يَخْرُجُ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ، وَكَانَ يَخْرُجُ بَعْدَهُ غَيْرُهُ مِنْهُ فَلاَ يَتَمَيَّزُ الْخَارِجُ عَنْ الْأَوَّلِ الْمَرْهُونِ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ فِي الْأَوَّلِ، وَلاَ فِي الْخَارِجِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ حِينَئِذٍ لَيْسَ بِمَعْرُوفٍ، وَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهِ حَتَّى يَقْطَعَ مَكَانَهُ أَوْ يَشْتَرِطَ أَنَّهُ يُقْطَعُ فِي مُدَّةٍ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ الثَّمَرَةُ الَّتِي تَخْرُجُ بَعْدَهُ أَوْ بَعْدَمَا تَخْرُجُ قَبْلَ أَنْ يُشْكِلَ أَهِيَ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ أَمْ لاَ، فَإِذَا كَانَ هَذَا جَازَ‏.‏ وَإِنْ تَرَكَ حَتَّى تَخْرُجَ بَعْدَهُ ثَمَرَةٌ لاَ يَتَمَيَّزُ حَتَّى تُعْرَفَ، فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّهُ يَفْسُدُ الرَّهْنُ كَمَا يَفْسُدُ الْبَيْعُ؛ لِأَنِّي لاَ أَعْرِفُ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ الرَّهْنِ‏.‏ وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الرَّهْنَ لاَ يَفْسُدُ، وَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ فِي قَدْرِ الثَّمَرَةِ الْمَرْهُونَةِ مِنْ الْمُخْتَلِطَةِ بِهَا كَمَا لَوْ رَهَنَهُ حِنْطَةً أَوْ تَمْرًا فَاخْتَلَطَتْ بِحِنْطَةٍ لِلرَّاهِنِ، أَوْ تَمْرٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِي قَدْرِ الْحِنْطَةِ الَّتِي رَهَنَ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ فِي الْبَيْعِ إنَّهُ إذَا بَاعَهُ ثَمَرًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى حَدَثَتْ ثَمَرَةٌ أُخْرَى فِي شَجَرِهَا لاَ تَتَمَيَّزُ الْحَادِثَةُ مِنْ الْمَبِيعِ قَبْلَهَا كَانَ الْبَائِعُ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُسَلِّمَ لَهُ الثَّمَرَةَ الْحَادِثَةَ مَعَ الْمَبِيعِ الْأَوَّلِ فَيَكُونُ قَدْ زَادَهُ خَيْرًا أَوْ يَنْقُضَ الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَدْرِي كَمْ بَاعَ مِمَّا حَدَثَ مِنْ الثَّمَرَةِ‏.‏ وَالرَّهْنُ عِنْدِي مِثْلُهُ فَإِنْ رَضِيَ أَنْ يُسَلِّمَ مَا زَادَ مَعَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يُفْسَخْ الرَّهْنُ، وَإِذَا رَهَنَهُ زَرْعًا عَلَى أَنْ يَحْصُدَهُ إذَا حَلَّ الْحَقُّ بِأَيِّ حَالٍ مَا كَانَ فَيَبِيعُهُ فَإِنْ كَانَ الزَّرْعُ يَزِيدُ بِأَنْ يَنْبُتَ مِنْهُ مَا لَمْ يَكُنْ نَابِتًا فِي يَدِهِ إذَا تَرَكَهُ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الرَّهْنَ مِنْهُ الْخَارِجَ دُونَ مَا يَخْرُجُ بَعْدَهُ‏.‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَائِلٌ مَا الْفَرْقُ بَيْنَ الثَّمَرَةِ تَكُونُ طَلْعًا وَبَلَحًا صِغَارًا، ثُمَّ تَصِيرُ رُطَبًا عِظَامًا وَبَيْنَ الزَّرْعِ‏؟‏ قِيلَ‏:‏ الثَّمَرَةُ وَاحِدَةٌ، إلَّا أَنَّهَا تَعْظُمُ كَمَا يَكْبُرُ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ بَعْدَ الصِّغَرِ وَيَسْمَنُ بَعْدَ الْهُزَالِ‏.‏ وَإِذَا قُطِعَتْ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ يُسْتَخْلَفُ وَالزَّرْعُ يُقْطَعُ أَعْلاَهُ، وَيُسْتَخْلَفُ أَسْفَلُهُ وَيُبَاعُ مِنْهُ شَيْءٌ قَصْلَةً بَعْدَ قَصْلَةٍ فَالْخَارِجُ مِنْهُ غَيْرُ الرَّهْنِ، وَالزَّائِدُ فِي الثَّمَرَةِ مِنْ الثَّمَرَةِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُبَاعَ مِنْهُ مَا يُقْصَلُ إلَّا أَنْ يُقْصَلَ مَكَانَهُ قَصْلَةً، ثُمَّ تُبَاعُ الْقَصْلَةُ الْأُخْرَى بَيْعَةً أُخْرَى، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ إلَّا كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَهُ ثَمَرَةً فَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهَا وَصَلاَحُهَا وَجِدَادُهَا وَتَشْمِيسُهَا كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ الْعَبْدِ‏.‏ وَإِذَا أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَقْطَعَهَا قَبْلَ أَوَانِ قَطْعِهَا أَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ مُنِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا ذَلِكَ حَتَّى يَجْتَمِعَا عَلَيْهِ، وَإِذَا بَلَغَتْ إبَّانَهَا جُبِرَ الرَّاهِنُ عَلَى قَطْعِهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَلاَحِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبَى الْمُرْتَهِنُ جُبِرَ، فَإِذَا صَارَتْ تَمْرًا وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ أَوْ غَيْرِهِ فَإِنْ أَبَى الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ بِأَنْ يَتَطَوَّعَ أَنْ يَضَعَهَا فِي مَنْزِلِهِ إلَّا بِكِرَاءٍ قِيلَ لِلرَّاهِنِ عَلَيْك لَهَا مَنْزِلٌ تُحْرَزُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ صَلاَحِهَا فَإِنْ جِئْت بِهِ، وَإِلَّا يَكْتَرِي عَلَيْك مِنْهَا‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ شَيْئًا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ حِينَ يَرْهَنُهُ إيَّاهُ، وَإِنْ كَانَ يَأْتِي عَلَيْهِ مُدَّةٌ يَحِلُّ بَعْدَهَا، وَهُوَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ جَنِينَ الْأَمَةِ قَبْلَ أَنْ يُولَدَ عَلَى أَنَّهَا إذَا وَلَدَتْهُ كَانَ رَهْنًا، وَمِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ مَا وَلَدَتْ أَمَتُهُ أَوْ مَاشِيَتُهُ أَوْ مَا أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ عَلَى أَنْ يَقْطَعَهُ مَكَانَهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ مَا لَيْسَ مِلْكُهُ لَهُ بِتَامٍّ‏.‏ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ ثَمَرَةً قَدْ بَدَا صَلاَحُهَا لاَ يَمْلِكُهَا بِشِرَاءٍ، وَلاَ أُصُولِ نَخْلِهَا‏.‏ وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَتَصَدَّقَ عَلَيْهِ وَعَلَى قَوْمٍ بِصِفَاتِهِمْ بِثَمَرَةِ نَخْلٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ يَحْدُثُ فِي الصَّدَقَةِ مَعَهُ مَنْ يُنْقِصُ حَقَّهُ، وَلاَ يَدْرِي كَمْ رَهَنَهُ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ جُلُودَ مَيْتَةٍ لَمْ تُدْبَغْ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهَا لاَ يَحِلُّ مَا لَمْ تُدْبَغْ وَيَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ إيَّاهَا إذَا دُبِغَتْ؛ لِأَنَّ ثَمَنَهَا بَعْدَ دِبَاغِهَا يَحِلُّ، وَلاَ يَرْهَنُهُ إيَّاهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ، وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا قَبْلَ الدِّبَاغِ ثُمَّ دَبَغَهَا الرَّاهِنُ كَانَتْ خَارِجَةً مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ عُقْدَةَ رَهْنِهَا كَانَ وَبَيْعُهَا لاَ يَحِلُّ‏.‏ وَإِذَا وَهَبَ لِلرَّجُلِ هِبَةً أَوْ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ بِصَدَقَةٍ غَيْرِ مُحَرَّمَةٍ فَرَهَنَهَا قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهَا، ثُمَّ قَبَضَهَا فَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهَا قَبْلَ أَنْ يَتِمَّ لَهُ مِلْكُهَا فَإِذَا أَحْدَثَ فِيهَا رَهْنًا بَعْدَ الْقَبْضِ جَازَتْ، قَالَ‏:‏ وَإِذَا أَوْصَى لَهُ بِعَبْدٍ بِعَيْنِهِ فَمَاتَ الْمُوصِي فَرَهَنَهُ قَبْلَ أَنْ تَدْفَعَهُ إلَيْهِ الْوَرَثَةُ فَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْ الثُّلُثِ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلْوَرَثَةِ مَنْعُهُ إيَّاهُ إذَا خَرَجَ مِنْ الثُّلُثِ وَالْقَبْضُ وَغَيْرُ الْقَبْضِ فِيهِ سَوَاءٌ‏.‏ وَلِلْوَاهِبِ وَالْمُتَصَدِّقِ مَنْعُهُ مِنْ الصَّدَقَةِ مَا لَمْ يَقْبِضْ‏.‏ وَإِذَا وَرِثَ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا، وَلاَ وَارِثَ لَهُ غَيْرُهُ فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّهُ مَالِكٌ لِلْعَبْدِ بِالْمِيرَاثِ، وَكَذَلِكَ لَوْ اشْتَرَاهُ فَنَقَدَ ثَمَنَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ مُكَاتَبًا لَهُ فَعَجَزَ الْمُكَاتَبُ قَبْلَ الْحُكْمِ بِفَسْخِ الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنِّي إنَّمَا أَنْظُرُ إلَى عَقْدِ الرَّهْنِ لاَ إلَى الْحُكْمِ، وَإِنْ اشْتَرَى الرَّجُلُ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ بِالْخِيَارِ ثَلاَثًا فَرَهَنَهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَهُوَ قَطْعٌ لِخِيَارِهِ، وَإِيجَابٌ لِلْبَيْعِ فِي الْعَبْدِ، وَإِذَا كَانَ الْخِيَارُ لِلْبَائِعِ أَوْ لِلْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي فَرَهَنَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الثَّلاَثِ، وَقَبْلَ اخْتِيَارِ الْبَائِعِ إنْفَاذَ الْبَيْعِ ثُمَّ مَضَتْ الثَّلاَثُ أَوْ اخْتَارَ الْمُشْتَرِي إنْفَاذَ الْبَيْعِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ انْعَقَدَ، وَمِلْكُهُ عَلَى الْعَبْدِ غَيْرُ تَامٍّ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلَيْنِ وَرِثَا رَجُلاً ثَلاَثَةَ أَعْبُدٍ فَلَمْ يَقْتَسِمَاهُمْ حَتَّى رَهَنَ أَحَدُهُمَا عَبْدًا مِنْ الْعَبِيدِ الثَّلاَثَةِ أَوْ عَبْدَيْنِ، ثُمَّ قَاسَمَ شَرِيكَهُ وَاسْتَخْلَصَ مِنْهُ الْعَبْدَ الَّذِي رَهَنَ أَوْ الْعَبْدَيْنِ، كَانَتْ أَنْصَافُهُمَا مَرْهُونَةً لَهُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الَّذِي كَانَ يَمْلِكُ مِنْهُمَا وَأَنْصَافُهُمَا الَّتِي مَلَكَ بَعْدَ الرَّهْنِ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُجَدِّدَ فِيهِمَا رَهْنًا، وَلَوْ اسْتَحَقَّ صَاحِبُ وَصِيَّةٍ مِنْهُمَا شَيْئًا خَرَجَ مَا اسْتَحَقَّ مِنْهُمَا مِنْ الرَّهْنِ وَبَقِيَ مَا لَمْ يَسْتَحِقَّ مِنْ أَنْصَافِهِمَا مَرْهُونًا‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إنَّهُ إذَا رَهَنَ شَيْئًا لَهُ بَعْضُهُ وَلِغَيْرِهِ بَعْضُهُ فَالرَّهْنُ كُلُّهُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّ صَفْقَةَ الرَّهْنِ جَمَعَتْ شَيْئَيْنِ مَا يَمْلِكُ، وَمَا لاَ يَمْلِكُ فَلَمَّا جَمَعَتْهُمَا الصَّفْقَةُ بَطَلَتْ كُلُّهَا، وَكَذَلِكَ فِي الْبَيْعِ‏.‏

قال‏:‏ وَهَذَا أَشْبَهُ بِجُمْلَةِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ‏:‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً لَهُ أَخٌ هُوَ وَارِثُهُ فَمَاتَ أَخُوهُ فَرَهَنَ دَارِهِ، وَهُوَ لاَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَاتَ ثُمَّ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ بِأَنَّهُ كَانَ مَيِّتًا قَبْلَ رَهْنِ الدَّارِ كَانَ الرَّهْنُ بَاطِلاً‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ حَتَّى يَرْهَنَهُ، وَهُوَ مَالِكٌ لَهُ وَيَعْلَمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مَالِكٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ قَدْ وُكِّلْتُ بِشِرَاءِ هَذَا الْعَبْدِ فَقَدْ رَهَنْتُكَهُ إنْ كَانَ اُشْتُرِيَ لِي فَوَجَدَ قَدْ اُشْتُرِيَ لَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، قَالَ‏:‏ فَإِنْ ارْتَهَنَ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ بِمِيرَاثٍ أَوْ شِرَاءٍ قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ أُحْلِفَ الرَّاهِنُ فَإِنْ حَلَفَ فُسِخَ الرَّهْنُ، وَإِنْ نَكَلَ فَحَلَفَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى مَا ادَّعَى ثَبَتَ الرَّهْنُ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى شَخْصًا لاَ يَثْبُتُهُ فَقَالَ إنْ كَانَ هَذَا فُلاَنًا فَقَدْ رَهَنْتُكَهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، وَإِنْ قَبَضَهُ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ مَعَ الْقَبْضِ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ رَهْنًا، وَهَكَذَا إنْ رَأَى صُنْدُوقًا فَقَالَ‏:‏ قَدْ كَانَتْ فِيهِ ثِيَابُ كَذَا‏.‏ الثِّيَابُ يَعْرِفُهَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كَانَتْ فِيهِ فَهِيَ لَك رَهْنٌ فَلاَ تَكُونُ رَهْنًا، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ الصُّنْدُوقُ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ وَدِيعَةً وَفِيهِ ثِيَابٌ فَقَالَ‏:‏ قَدْ كُنْت جَعَلْتُ ثِيَابِي الَّتِي كَذَا فِي هَذَا الصُّنْدُوقِ فَهِيَ رَهْنٌ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ ثِيَابٌ غَيْرُهَا أَوْ ثِيَابٌ مَعَهَا فَلَيْسَ بِرَهْنٍ فَكَانَتْ فِيهِ الثِّيَابُ الَّتِي قَالَ‏:‏ إنَّهَا رَهْنٌ لاَ غَيْرَهَا فَلَيْسَتْ بِرَهْنٍ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ‏:‏ قَدْ رَهَنْتُك مَا فِي جِرَابِي وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ وَالرَّاهِنُ لاَ يَعْرِفُهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا، وَهَكَذَا إنْ كَانَ الرَّاهِنُ يَعْرِفُهُ وَالْمُرْتَهِنُ لاَ يَعْرِفُهُ، وَلاَ يَكُونُ الرَّهْنُ أَبَدًا إلَّا مَا عَرَفَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ وَعَلِمَ الرَّاهِنُ أَنَّهُ مِلْكٌ لَهُ يَحِلُّ بَيْعُهُ‏.‏ وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَهُ ذِكْرَ حَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ؛ لِأَنَّ ذِكْرَ الْحَقِّ لَيْسَ بِشَيْءٍ يُمْلَكُ إنَّمَا هُوَ شَهَادَةٌ عَلَى رَجُلٍ بِشَيْءٍ فِي ذِمَّتِهِ وَالشَّيْءُ الَّذِي فِي ذِمَّتِهِ لَيْسَ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ يَجُوزُ رَهْنُهَا إنَّمَا تُرْهَنُ الْأَعْيَانُ الْقَائِمَةُ ثُمَّ لاَ يَجُوزُ حَتَّى تَكُونَ مَعْلُومَةً عِنْدَ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ مَقْبُوضَةً‏.‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً جَاءَتْهُ بِضَاعَةٌ أَوْ مِيرَاثٌ كَانَ غَائِبًا عَنْهُ لاَ يَعْرِفُ قَدْرَهُ فَقَبَضَهُ لَهُ رَجُلٌ بِأَمْرِهِ أَوْ بِغَيْرِ أَمْرِهِ ثُمَّ رَهَنَهُ الْمَالِكُ الْقَابِضَ وَالْمَالِكُ لاَ يَعْرِفُ قَدْرَهُ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ، وَإِنْ قَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى يَكُونَ عَالِمًا بِمَا رَهَنَهُ عِلْمَ الْمُرْتَهِنِ‏.‏ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

الزِّيَادَةُ فِي الرَّهْنِ وَالشَّرْطُ فِيهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً رَهْنًا، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَرْهَنَ ذَلِكَ الرَّهْنَ مِنْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ أَوْ فَضْلَ ذَلِكَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ فَعَلَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ؛ لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ الْأَوَّلَ صَارَ يَمْلِكُ أَنْ يَمْنَعَ رَقَبَتَهُ حَتَّى تُبَاعَ فَيَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ، وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهُ بِأَلْفٍ ثُمَّ سَأَلَ الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ أَنْ يَزِيدَهُ أَلْفًا وَيَجْعَلَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ رَهْنًا بِهَا مَعَ الْأَلْفِ الْأُولَى فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ الْآخَرُ، وَكَانَ مَرْهُونًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى وَغَيْرَ مَرْهُونٍ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ رَهْنًا بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ الْأُولَى فَلَمْ يَسْتَحِقَّ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ مِنْ مَنْعِ رَقَبَتِهِ عَلَى سَيِّدِهِ، وَلاَ غُرَمَائِهِ إلَّا مَا اسْتَحَقَّ أَوَّلاً، وَلاَ يُشْبِهُ هَذَا الرَّجُلَ يَتَكَارَى الْمَنْزِلَ سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهُ السَّنَةَ الَّتِي تَلِيهَا بِعِشْرِينَ؛ لِأَنَّ السَّنَةَ الْأُولَى غَيْرُ السَّنَةِ الْآخِرَةِ، وَلَوْ انْهَدَمَ بَعْدَ السَّنَةِ الْأُولَى رَجَعَ بِالْعِشْرِينِ الَّتِي هِيَ حَظُّ السَّنَةِ الْآخِرَةِ، وَهَذَا رَهْنٌ وَاحِدٌ لاَ يَجُوزُ الرَّهْنَانِ فِيهِ إلَّا مَعًا لاَ مُفْتَرِقَيْنِ، وَلاَ أَنْ يَرْهَنَ مَرَّتَيْنِ بِشَيْئَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُفْسَخَ كَمَا لاَ يَجُوزُ مَرَّتَيْنِ أَنْ يَتَكَارَى الرَّجُلُ دَارًا سَنَةً بِعَشَرَةٍ ثُمَّ يَتَكَارَاهَا تِلْكَ السَّنَةَ بِعَيْنِهَا بِعِشْرِينَ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْكِرَاءَ الْأَوَّلَ، وَلاَ يَبْتَاعَهَا بِمِائَةٍ ثُمَّ يَبْتَاعُهَا بِمِائَتَيْنِ إلَّا أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ الْأَوَّلَ وَيُجَدِّدَ بَيْعًا فَإِنْ أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ الرَّهْنُ الْآخَرُ مَعَ الْأَوَّلِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ وَجَعَلَ الرَّهْنَ بِأَلْفَيْنِ‏.‏ وَلَوْ لَمْ يَفْسَخْ الرَّهْنَ وَأَشْهَدَ الْمُرْتَهِنَ أَنَّ هَذَا الرَّهْنَ بِيَدِهِ بِأَلْفَيْنِ جَازَتْ الشَّهَادَةُ، وَكَانَ الرَّهْنُ بِأَلْفَيْنِ إذَا لَمْ يَعْرِفْ كَيْفَ كَانَ ذَلِكَ فَإِذَا تَصَادَقَا بِأَنَّ هَذَا رَهْنٌ ثَانٍ بَعْدَ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يُفْسَخْ لِمَا وَصَفْتُ، وَكَانَ رَهْنًا بِالْأَلْفِ، وَكَانَتْ الْأَلْفُ الْأُخْرَى بِغَيْرِ رَهْنٍ، وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ فَرَهَنَهُ بِهَا بَعْدُ شَيْئًا جَازَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ زَادَهُ أَلْفًا أُخْرَى وَرَهَنَهُ بِهِمَا رَهْنًا كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا، وَلَوْ أَعْطَاهُ أَلْفًا وَرَهَنَهُ بِهَا ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ اجْعَلْ لِي الْأَلْفَ الَّتِي قَبْلَ هَذَا رَهْنًا مَعَهَا فَفَعَلَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِمَا وَصَفْتُ مِنْ فَسْخِ الرَّهْنِ وَتَجْدِيدِ رَهْنٍ بِهِمَا مَعًا‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ أَلْفُ دِرْهَمٍ بِلاَ رَهْنٍ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لَهُ زِدْنِي أَلْفًا عَلَى أَنْ أَرْهَنَك بِهِمَا مَعًا رَهْنًا يَعْرِفَانِهِ فَفَعَلَ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ أَسْلَفَهُ الْآخِرَةَ عَلَى زِيَادَةِ رَهْنٍ فِي الْأُولَى، وَلَوْ كَانَ قَالَ‏:‏ بِعْنِي عَبْدًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ أُعْطِيَك بِهَا وَبِالْأَلْفِ الَّتِي لَك عَلَيَّ بِلاَ رَهْنٍ دَارِي رَهْنًا فَفَعَلَ كَانَ الْبَيْعُ مَفْسُوخًا، وَإِذَا شَرَطَ فِي الرَّهْنِ هَذَا الشَّرْطَ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهَا زِيَادَةٌ فِي سَلَفٍ أَوْ حِصَّةٌ مِنْ بَيْعٍ مَجْهُولَةٌ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً ارْتَهَنَ مِنْ رَجُلٍ رَهْنًا بِأَلْفٍ، وَقَبَضَهُ ثُمَّ زَادَهُ رَهْنًا آخَرَ مَعَ رَهْنِهِ بِتِلْكَ الْأَلْفِ كَانَ الرَّهْنُ الْأَوَّلُ وَالْآخَرُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ بِكَمَالِهِ بِالْأَلْفِ وَالرَّهْنَ الْآخَرَ زِيَادَةٌ مَعَهُ، لَمْ تَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ حَتَّى جَعَلَهَا لَهُ الرَّاهِنُ فَكَانَ جَائِزًا كَمَا جَازَ أَنْ يَكُونَ لَهُ حَقٌّ بِلاَ رَهْنٍ ثُمَّ بِرَهْنِهِ بِهِ شَيْئًا فَيَجُوزُ‏.‏

باب مَا يُفْسِدُ الرَّهْنَ مِنْ الشَّرْطِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ يُرْوَى عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله تعالى عنه‏:‏ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ وَمَحْلُوبٌ، وَهَذَا لاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ لِمَالِكِهِ الرَّاهِنِ لاَ لِلْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَمْلِكُ الرُّكُوبَ وَالْحَلْبَ مَنْ مَلَكَ الرَّقَبَةَ وَالرَّقَبَةُ غَيْرُ الْمَنْفَعَةِ الَّتِي هِيَ الرُّكُوبُ وَالْحَلْبُ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا أَوْ دَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ فَسُكْنَى الدَّارِ، وَإِجَارَةُ الْعَبْدِ وَخِدْمَتُهُ لِلرَّاهِنِ، وَكَذَلِكَ مَنَافِعُ الرَّهْنِ لِلرَّاهِنِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ مِنْهَا شَيْءٌ فَإِنْ شَرَطَ الْمُرْتَهِنُ عَلَى الرَّاهِنِ أَنَّ لَهُ سُكْنَى الدَّارِ أَوْ خِدْمَةَ الْعَبْدِ أَوْ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ أَوْ شَيْئًا مِنْ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ مَا كَانَتْ أَوْ مِنْ أَيِّ الرَّهْنِ كَانَتْ دَارًا أَوْ حَيَوَانًا أَوْ غَيْرِهِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ أَسْلَفَهُ أَلْفًا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا رَهْنًا وَشَرَطَ الْمُرْتَهِنُ لِنَفْسِهِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ زِيَادَةٌ فِي السَّلَفِ، وَإِنْ كَانَ بَاعَهُ بَيْعًا بِأَلْفٍ وَشَرَطَ الْبَائِعُ لِلْمُشْتَرِي أَنْ يَرْهَنَهُ بِأَلْفِهِ رَهْنًا وَأَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ مَنْفَعَةَ الرَّهْنِ فَالشَّرْطُ فَاسِدٌ وَالْبَيْعُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ لِزِيَادَةِ مَنْفَعَةِ الرَّهْنِ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ غَيْرَ مَعْرُوفَةٍ وَالْبَيْعُ لاَ يَجُوزُ إلَّا بِمَا يُعْرَفُ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ رَهَنَهُ دَارًا عَلَى أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ سُكْنَاهَا حَتَّى يَقْضِيَهُ حَقَّهُ كَانَ لَهُ أَنْ يَقْضِيَهُ حَقَّهُ مِنْ الْغَدِ وَبَعْدَ سِنِينَ، وَلاَ يَعْرِفُ كَمْ ثَمَنُ السَّكَنِ وَحِصَّتُهُ مِنْ الْبَيْعِ وَحِصَّةُ الْبَيْعِ لاَ تَجُوزُ إلَّا مَعْرُوفَةً مَعَ فَسَادِهِ مِنْ أَنَّهُ بَيْعٌ وَإِجَارَةٌ، وَلَوْ جَعَلَ ذَلِكَ مَعْرُوفًا فَقَالَ‏:‏ أَرْهَنُك دَارِي سَنَةً عَلَى أَنَّ لَك سُكْنَاهَا فِي تِلْكَ السَّنَةِ كَانَ الْبَيْعُ وَالرَّهْنُ فَاسِدًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا بَيْعٌ، وَإِجَارَةٌ لاَ أَعْرِفُ حِصَّةَ الْإِجَارَةِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْإِجَارَةَ لَوْ انْتَقَضَتْ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ الْمَسْكَنَ أَوْ يَنْهَدِمَ فَلَوْ قُلْت تَقُومُ السُّكْنَى وَتَقُومُ السِّلْعَةُ الْمَبِيعَةُ بِالْأَلْفِ فَتُطْرَحُ عَنْهُ حِصَّةُ السُّكْنَى مِنْ الْأَلْفِ وَأَجْعَلُ الْأَلْفَ بَيْعًا بِهِمَا، وَلاَ أَجْعَلُ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا دَخَلَ عَلَيْك أَنَّ شَيْئَيْنِ مُلِكَا بِأَلْفٍ فَاسْتُحِقَّ أَحَدُهُمَا فَلَمْ تَجْعَلْ لِلْمُشْتَرِي خِيَارًا فِي هَذَا الْبَاقِي، وَهُوَ لَمْ يَشْتَرِهِ إلَّا مَعَ غَيْرِهِ‏.‏ أَوَلاَ تَرَى أَنَّك لَوْ قُلْت بَلْ أَجْعَلُ لَهُ الْخِيَارَ دَخَلَ عَلَيْك أَنْ يَنْقُصَ بَيْعُ الرَّقَبَةِ بِأَنْ يَسْتَحِقَّ مَعَهَا كِرَاءٌ لَيْسَ هُوَ مِلْكُ رَقَبَةٍ‏؟‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ الْمَسْكَنَ إذَا انْهَدَمَ فِي أَوَّلِ السَّنَةِ فَإِنْ قَوَّمْت كِرَاءَ السَّنَةِ فِي أَوَّلِهَا لَمْ يُعْرَفْ قِيمَةُ كِرَاءِ آخِرِهَا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَغْلُو وَيَرْخُصُ‏؟‏، وَإِنَّمَا يُقَوَّمُ كُلُّ شَيْءٍ بِسُوقِ يَوْمِهِ، وَلاَ يُقَوَّمُ مَا لَمْ يَكُنْ لَهُ سُوقٌ مَعْلُومٌ‏؟‏ فَإِنْ قُلْت بَلْ أُقَوِّمُ كُلَّ وَقْتٍ مَضَى وَأَتْرُكُ مَا بَقِيَ حَتَّى يَحْضُرَ فَأُقَوِّمُهُ، قِيلَ لَك‏:‏ أَفَتَجْعَلُ مَالَ هَذَا مُحْتَبَسًا فِي يَدِ هَذَا إلَى أَجَلٍ، وَهُوَ لَمْ يُؤَجِّلْهُ‏؟‏ قَالَ‏:‏ فَإِنْ شُبِّهَ عَلَى أَحَدٍ بِأَنْ يَقُولَ قَدْ تُجِيزُ هَذَا فِي الْكِرَاءِ إذَا كَانَ مُنْفَرِدًا فَيَكْتَرِي مِنْهُ الْمَنْزِلَ سَنَةً ثُمَّ يَنْهَدِمُ الْمَنْزِلُ بَعْدَ شَهْرٍ فَيَرُدُّهُ عَلَيْهِ بِمَا بَقِيَ‏؟‏ قِيلَ نَعَمْ، وَلَكِنَّ حِصَّةَ الشَّهْرِ الَّذِي أَخَذَهُ مَعْرُوفَةٌ؛ لِأَنَّا لاَ نُقَوِّمُهُ إلَّا بَعْدَ مَا يُعْرَفُ بِأَنْ يَمْضِيَ، وَلَيْسَ مَعَهَا بَيْعٌ، وَهِيَ إجَارَةٌ كُلُّهَا، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ إلَّا بِكَذَا، أَوْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بَعْدَ أَنْ يَبْلُغَ كَذَا أَوْ يَزِيدَ عَلَيْهِ أَوْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إنْ كَانَ رَبُّ الرَّهْنِ غَائِبًا أَوْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُ فُلاَنٌ أَوْ يَقْدُمَ فُلاَنٌ، أَوْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بِمَا رَضِيَ الرَّاهِنُ أَوْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ إنْ هَلَكَ الرَّاهِنُ قَبْلَ الْأَجَلِ أَوْ لَيْسَ لَهُ بَيْعُهُ بَعْدَ مَا يَحِلُّ الْحَقُّ إلَّا بِشَهْرٍ كَانَ هَذَا الرَّهْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ فَاسِدًا لاَ يَجُوزُ، حَتَّى لاَ يَكُونَ دُونَ بَيْعِهِ حَائِلٌ عِنْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا عَلَى أَنَّ الْحَقَّ إنْ حَلَّ وَالرَّهْنُ مَرِيضٌ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى يَصِحَّ أَوْ أَعْجَفُ لَمْ يَبِعْهُ حَتَّى يَسْمَنَ أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا كَانَ الرَّهْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ مَفْسُوخًا‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ حَائِطًا عَلَى أَنَّ مَا أَثْمَرَ الْحَائِطُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ مَا زُرِعَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ أَوْ مَاشِيَةً عَلَى أَنَّ مَا نَتَجَتْ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ الْمَعْرُوفُ بِعَيْنِهِ مِنْ الْحَائِطِ وَالْأَرْضِ وَالْمَاشِيَةِ رَهْنًا، وَلَمْ يَدْخُلْ مَعَهُ ثَمَرُ الْحَائِطِ، وَلاَ زَرْعُ الْأَرْضِ، وَلاَ نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَ الرَّهْنُ بِحَقٍّ وَاجِبٍ قَبْلَ الرَّهْنِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهِ قَوْلٌ آخَرُ إذَا رَهَنَهُ حَائِطًا عَلَى أَنَّ مَا أَثْمَرَ الْحَائِطُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ أَوْ أَرْضًا عَلَى أَنَّ مَا زُرِعَ فِي الْأَرْضِ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ كُلُّهُ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ رَهَنَهُ مَا يَعْرِفُ، وَمَا لاَ يَعْرِفُ، وَمَا يَكُونُ، وَمَا لاَ يَكُونُ، وَلاَ إذَا كَانَ يَعْرِفُ قَدْرَ مَا يَكُونُ فَلَمَّا كَانَ هَكَذَا كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ الْفَسْخُ أَوْلَى بِهِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَهَذَا كَرَجُلٍ رَهَنَ دَارًا عَلَى أَنْ يَزِيدَهُ مَعَهَا دَارًا مِثْلَهَا أَوْ عَبْدًا قِيمَتُهُ كَذَا غَيْرَ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ وَقَعَ عَلَى شَرْطِ هَذَا الرَّهْنِ فُسِخَ الرَّهْنُ، وَكَانَ لِلْبَائِعِ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ مَا اشْتَرَطَ، وَلَوْ رَهَنَهُ مَاشِيَةً عَلَى أَنَّ لِرَبِّهَا لَبَنَهَا وَنِتَاجَهَا أَوْ حَائِطًا عَلَى أَنَّ لِرَبِّهِ ثَمَرَهُ أَوْ عَبْدًا عَلَى أَنَّ لِسَيِّدِهِ خَرَاجَهُ أَوْ دَارًا عَلَى أَنَّ لِمَالِكِهَا كِرَاءَهَا كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا؛ لِأَنَّ هَذَا لِسَيِّدِهِ، وَإِنْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ كُلُّ شَرْطٍ اشْتَرَطَهُ الْمُشْتَرِي عَلَى الْبَائِعِ هُوَ لِلْمُشْتَرِي لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ كَانَ الشَّرْطُ جَائِزًا كَهَذَا الشَّرْطِ وَذَلِكَ أَنَّهُ لَهُ لَوْ لَمْ يَشْتَرِطْهُ‏.‏

جِمَاعُ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا، وَمَا لاَ يَجُوزُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ الرَّهْنُ الْمَقْبُوضُ مِمَّنْ يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَمَنْ يَجُوزُ ارْتِهَانُهُ‏؟‏ ثَلاَثُ أَصْنَافٍ صَحِيحٌ وَآخَرُ مَعْلُولٌ وَآخَرُ فَاسِدٌ‏.‏ فَأَمَّا الصَّحِيحُ مِنْهُ‏:‏ فَكُلُّ مَا كَانَ مِلْكُهُ تَامًّا لِرَاهِنِهِ، وَلَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ جَنَى فِي عُنُقِ نَفْسِهِ جِنَايَةً وَيَكُونُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَحَقَّ بِرَقَبَتِهِ مِنْ مَالِكِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ، وَلَمْ يَكُنْ الْمِلْكُ أَوْجَبَ فِيهِ حَقًّا لِغَيْرِ مَالِكِهِ مِنْ رَهْنٍ، وَلاَ إجَارَةٍ، وَلاَ بَيْعٍ، وَلاَ كِتَابَةٍ، وَلاَ جَارِيَةٍ أَوْلَدَهَا أَوْ دَبَّرَهَا، وَلاَ حَقًّا لِغَيْرِهِ يَكُونُ أَحَقَّ بِهِ مِنْ سَيِّدِهِ حَتَّى تَنْقَضِيَ تِلْكَ الْمُدَّةُ، فَإِذَا رَهَنَ الْمَالِكُ هَذَا رَجُلاً، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَذَا الرَّهْنُ الصَّحِيحُ الَّذِي لاَ عِلَّةَ فِيهِ‏.‏ وَأَمَّا الْمَعْلُولُ‏:‏ فَالرَّجُلُ يَمْلِكُ الْعَبْدَ أَوْ الْأَمَةَ أَوْ الدَّارَ فَيَجْنِي الْعَبْدُ أَوْ الْأَمَةُ عَلَى آدَمِيٍّ جِنَايَةً عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ يَجْنِيَانِ عَلَى مَالِ آدَمِيٍّ فَلاَ يَقُومُ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَلاَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ عَلَيْهِمَا حَتَّى يَرْهَنَهُمَا مَالِكَيْهِمَا وَيَقْبِضَهَا الْمُرْتَهِنُ فَإِذَا ثَبَتَتْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْجِنَايَةِ قَبْلَ الرَّهْنِ أَوْ أَقَرَّ بِهَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ مَفْسُوخٌ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْطَلَ رَبُّ الْجِنَايَةِ الْجِنَايَةَ عَنْ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ أَوْ صَالَحَهُ سَيِّدُهُمَا مِنْهُمَا عَلَى شَيْءٍ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّ وَلِيَّ الْجِنَايَةِ كَانَ أَوْلَى بِحَقٍّ فِي رِقَابِهِمَا مِنْ مَالِكِهِمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فِي رِقَابِهِمَا أَرْشُ جِنَايَتِهِ أَوْ قِيمَةُ مَالِهِ فَإِذَا كَانَ أَوْلَى بِثَمَنِ رِقَابِهِمَا مِنْ مَالِكِهِمَا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فِي رِقَابِهِمَا لَمْ يَجُزْ لِمَالِكِهِمَا رَهْنُهُمَا‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ تَسْوَى دِينَارًا، وَهُمَا يَسْوَيَانِ أُلُوفًا لَمْ يَكُنْ مَا فَضَلَ مِنْهُمَا رَهْنًا، وَهَذَا أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَالِكُهُمَا رَهَنَهُمَا بِشَيْءٍ ثُمَّ رَهَنَهُمَا بَعْدَ الرَّهْنِ بِغَيْرِهِ فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ الثَّانِي؛ لِأَنَّهُ يَحُولُ دُونَ بَيْعِهِمَا، وَإِدْخَالُ حَقٍّ عَلَى حَقِّ صَاحِبِهِمَا الْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنْ مَالِكِهِمَا‏.‏ وَسَوَاءٌ ارْتَهَنَهُمَا الْمُرْتَهِنُ بَعْدَ عِلْمِهِ بِالْجِنَايَةِ أَوْ قَبْلَ عِلْمِهِ بِهَا، أَوْ قَالَ‏:‏ أَرْتَهِنُ مِنْك مَا يَفْضُلُ عَنْ الْجِنَايَةِ، أَوْ لَمْ يَقُلْهُ فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ، وَفِي رِقَابِهِمَا جِنَايَةٌ بِحَالٍ، وَكَذَلِكَ لاَ يَجُوزُ ارْتِهَانُهُمَا وَفِي رِقَابِهِمَا رَهْنٌ بِحَالٍ، وَلاَ فَضْلٌ مِنْ رَهْنٍ بِحَالٍ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا أَوْ دَارًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ إيَّاهَا إلَّا دِرْهَمًا ثُمَّ رَهَنَهَا غَيْرَهُ لَمْ تَكُنْ رَهْنًا لِلْآخَرِ؛ لِأَنَّ الدَّارَ وَالْعَبْدَ قَدْ يَنْقُصُ، وَلاَ يَدْرِي كَمْ انْتِقَاصُهُ يَقِلُّ أَوْ يَكْثُرُ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَقَبَضَهُمَا الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّهُمَا جَنَيَا قَبْلَ الرَّهْنِ جِنَايَةً وَادَّعَى ذَلِكَ وَلِيُّ الْجِنَايَةِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ الْقَوْلَ لِلرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِحَقٍّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ، وَلاَ تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ مِنْ دَيْنِ الْمُرْتَهِنِ وَقِيلَ يَحْلِفُ الْمُرْتَهِنُ مَا عَلِمَ الْجِنَايَةَ قَبْلَ رَهْنِهِ فَإِذَا حَلَفَ وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ لَمْ يُقِرَّ بِالْجِنَايَةِ قَبْلَ رَهْنِهِ كَانَ الْقَوْلُ فِي إقْرَارِ الرَّاهِنِ بِأَنَّ عَبْدَهُ جَنَى قَبْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ وَاحِدًا مِنْ قَوْلَيْنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْعَبْدَ رَهْنٌ، وَلاَ يُؤْخَذُ مِنْ مَالِهِ شَيْءٌ، وَإِنْ كَانَ مُوسِرًا؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا أَقَرَّ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ بِحَقَّيْنِ لِرَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا مِنْ قِبَلِ الْجِنَايَةِ وَالْآخَرُ مِنْ قِبَلِ الرَّهْنِ، وَإِذَا فُكَّ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ لَهُ فَالْجِنَايَةُ فِي رَقَبَتِهِ بِإِقْرَارِ سَيِّدِهِ إنْ كَانَتْ خَطَأً أَوْ عَمْدًا لاَ قِصَاصَ فِيهَا، وَإِنْ كَانَتْ عَمْدًا فِيهَا قِصَاصٌ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ عَلَى الْعَبْدِ إذَا لَمْ يُقِرَّ بِهَا‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ إنَّهُ إنْ كَانَ مُوسِرًا أَخَذَ مِنْ السَّيِّدِ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَةِ الْعَبْدِ أَوْ الْجِنَايَةِ فَدَفَعَ إلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ يُقِرُّ بِأَنَّ فِي عُنُقِ عَبْدِهِ حَقًّا أَتْلَفَهُ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ بِرَهْنِهِ إيَّاهُ، وَكَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ، وَقَدْ جَنَى، وَهُوَ مُوسِرٌ وَقِيلَ يَضْمَنُ الْأَقَلَّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةِ، وَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَخْرُجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنَّمَا أَتْلَفَ عَلَى الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ لاَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَمَتَى خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَهُوَ فِي مِلْكِهِ فَالْجِنَايَةُ فِي عُنُقِهِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ بِبَيْعٍ فَفِي ذِمَّةِ سَيِّدِهِ الْأَقَلُّ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ الْجِنَايَةِ‏.‏ وَلَوْ شَهِدَ شَاهِدٌ عَلَى جِنَايَتِهِمَا قَبْلَ الرَّهْنِ وَالرَّهْنُ عَبْدَانِ حَلَفَ وَلِيُّ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ مَعَ شَاهِدِهِ، وَكَانَتْ الْجِنَايَةُ أَوْلَى بِهِمَا مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ جِنَايَتَهُ ثُمَّ يَكُونُ مَا فَضَلَ مِنْ ثَمَنِهِمَا رَهْنًا مَكَانَهُمَا، وَلَوْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَحْلِفَ لَقَدْ جَنَيَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْحَقَّ بِالْجِنَايَةِ فِي رِقَابِهِمَا لِغَيْرِهِ، وَلاَ يَحْلِفُ عَلَى حَقِّ غَيْرِهِ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا فَلَمْ يَقْبِضْهُ حَتَّى أَقَرَّ بِعِتْقِهِ أَوْ بِجِنَايَةٍ لِرَجُلٍ أَوْ بِرَهْنٍ فِيهِ قَبْلَ الرَّهْنِ فَإِقْرَارُهُ جَائِزٌ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ لَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا تَامَّ الرَّهْنِ إنَّمَا يَتِمُّ الرَّهْنُ فِيهِ إذَا قَبَضَ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ أَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَنَّهُ أَعْتَقَهُ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ إقْرَارِهِ بِأَنَّهُ جَنَى جِنَايَةً فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا أُخِذَتْ مِنْهُ قِيمَتُهُ فَجُعِلَتْ رَهْنًا، وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا وَأَنْكَرَ الْمُرْتَهِنُ بِيعَ لَهُ مِنْهُ بِقَدْرِ حَقِّهِ، فَإِنْ فَضَلَ فَضْلٌ عَتَقَ الْفَضْلُ مِنْهُ، وَإِنْ بَرِئَ الْعَبْدُ مِنْ الرَّهْنِ فِي مِلْكِ الْمُقِرِّ بِالْعِتْقِ عَتَقَ، وَإِنْ بِيعَ فَمَلَكَهُ سَيِّدُهُ بِأَيِّ وَجْهٍ مَلَكَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُقِرٌّ أَنَّهُ حُرٌّ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً، وَقَبَضَهَا ثُمَّ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ فَإِنْ لَمْ تَأْتِ بِوَلَدٍ فَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى وَطْئِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الرَّهْنِ لَمْ تَخْرُجْ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى تَأْتِيَ بِوَلَدٍ فَإِذَا جَاءَتْ بِوَلَدٍ، وَقَدْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ عَلَى إقْرَارِهِ بِوَطْئِهِ إيَّاهَا قَبْلَ الرَّهْنِ خَرَجَتْ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ أَقَرَّ بِوَطْئِهَا قَبْلَ الرَّهْنِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَقَلَّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ كَانَ الرَّهْنُ فَهُوَ ابْنُهُ، وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ الْبُوَيْطِيُّ، وَكَذَلِكَ عِنْدِي إنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِأَكْثَرَ مَا تَلِدُ لَهُ النِّسَاءُ وَذَلِكَ لِأَرْبَعِ سِنِينَ أُلْحِقَ بِهِ الْوَلَدُ، وَإِنْ كَانَ إقْرَارُهُ بِالْوَطْءِ قَبْلَ الرَّهْنِ قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَهُوَ قَوْلِي أَيْضًا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِنْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ مِنْ يَوْمِ كَانَ الرَّهْنُ أَوْ أَكْثَرَ فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِالْوَطْءِ كَانَ كَإِقْرَارِ سَيِّدِهَا بِعِتْقِهَا أَوْ أَضْعَفَ، وَهِيَ رَهْنٌ بِحَالِهَا، وَلاَ تُبَاعُ حَتَّى تَلِدَ وَوَلَدُهَا وَلَدُ حُرٍّ بِإِقْرَارِهِ، وَمَتَى مَلَكَهَا فَهِيَ أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَلَوْ لَمْ يُقِرَّ الْمُرْتَهِنُ فِي جَمِيعِ الْمَسَائِلِ، وَلَمْ يُنْكِرْ قِيلَ إنْ أَنْكَرْت وَحَلَفْت جَعَلْنَا الرَّهْنَ رَهْنَك، وَإِنْ لَمْ تَحْلِفْ أَحَلَفْنَا الرَّاهِنَ، لَكَانَ مَا قَالَ‏:‏ قِبَلَ رَهْنِك وَأَخْرَجْنَا الرَّهْنَ مِنْ الرَّهْنِ بِالْعِتْقِ وَالْجَارِيَةِ بِأَنَّهَا أُمُّ وَلَدٍ لَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ أَقَرَّ فِيهَا بِجِنَايَةٍ فَلَمْ يَحْلِفْ الْمُرْتَهِنُ عَلَى عِلْمِهِ كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْلَى بِهَا مِنْهُ إذَا حَلَفَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيُّهُ، وَلَوْ اشْتَرَى أَمَةً فَرَهَنَهَا وَقُبِضَتْ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هُوَ أَوْ الْبَائِعُ‏:‏ إنَّك اشْتَرَيْتهَا مِنِّي عَلَى شَرْطٍ فَذَكَرَ أَنَّهُ كَانَ الشِّرَاءُ عَلَى ذَلِكَ الشَّرْطِ فَاسِدًا كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الرَّهْنَ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَرْهَنُ إلَّا مَا يَمْلِكُ، وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ مَا رَهَنَ، وَهَكَذَا لَوْ رَهَنَهَا ثُمَّ أَقَرَّ أَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْ رَجُلٍ أَوْ بَاعَهُ إيَّاهَا قَبْلَ الرَّهْنِ وَعَلَى الرَّاهِنِ الْيَمِينُ بِمَا ذَكَرَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَلَيْسَ عَلَى الْمُقَرِّ لَهُ يَمِينٌ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ الرَّهْنَ جَائِزٌ بِحَالِهِ، وَلاَ يُصَدَّقُ عَلَى إفْسَادِ الرَّهْنِ‏.‏ وَفِيمَا أَقَرَّ بِهِ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَغْرَمَ لِلَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِأَنَّهُ غَصَبَهَا مِنْهُ قِيمَتَهَا فَإِنْ رَجَعَتْ إلَيْهِ دُفِعَتْ إلَى الَّذِي أَقَرَّ لَهُ بِهَا إنْ شَاءَ وَيَرُدُّ الْقِيمَةَ، وَكَانَتْ إذَا رَجَعَتْ إلَيْهِ بَيْعًا لِلَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ بَاعَهَا إيَّاهُ، وَمَرْدُودَةٌ عَلَى الَّذِي أَقَرَّ أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْهُ شِرَاءً فَاسِدًا قَالَ الرَّبِيعُ، وَهَذَا أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا أَوْ أَمَةً قَدْ ارْتَدَّا عَنْ الْإِسْلاَمِ وَأَقْبَضَهُمَا الْمُرْتَهِنَ كَانَ الرَّهْنُ فِيهِمَا صَحِيحًا وَيُسْتَتَابَانِ فَإِنْ تَابَا، وَإِلَّا قُتِلاَ عَلَى الرِّدَّةِ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَا قَطَعَا الطَّرِيقَ قُتِلاَ إنْ قَتَلاَ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَا سَرَقَا قُطِعَا، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ عَلَيْهِمَا حَدٌّ أُقِيمَ، وَهُمَا عَلَى الرَّهْنِ، فِي هَذَا كُلِّهِ لاَ يَخْتَلِفَانِ سَقَطَ عَنْهُمَا الْحَدُّ أَوْ عُطِّلَ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ هَذَا حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمَا لَيْسَ بِحَقٍّ لِآدَمِيٍّ فِي رِقَابِهِمْ، وَهَكَذَا لَوْ أَتَيَا شَيْئًا مِمَّا ذَكَرْت بَعْدَ الرَّهْنِ لَمْ يَخْرُجَا مِنْ الرَّهْنِ بِحَالٍ، وَلَوْ رَهَنَهُمَا، وَقَدْ جَنَيَا جِنَايَةً كَانَ صَاحِبُ الْجِنَايَةِ أَوْلَى بِهِمَا مِنْ السَّيِّدِ الرَّاهِنِ فَإِنْ أَعْفَاهُمَا أَوْ فَدَاهُمَا سَيِّدُهُمَا أَوْ كَانَتْ الْجِنَايَةُ قَلِيلَةً فَبِيعَ فِيهَا أَحَدُهُمَا فَلَيْسَ بِرَهْنٍ مِنْ قِبَلِ أَنَّ صَاحِبَ الْجِنَايَةِ كَانَ أَحَقَّ بِهِمَا مِنْ الْمُرْتَهِنِ حِينَ كَانَ الرَّهْنُ، وَلَوْ كَانَا رَهَنَا، وَقَبَضَا ثُمَّ جَنَيَا بَعْدَ الرَّهْنِ ثُمَّ بَرِئَا مِنْ الْجِنَايَةِ بِعَفْوٍ مِنْ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ أَوْ وَلِيِّهِ أَوْ صُلْحٍ أَوْ أَيِّ وَجْهٍ بَرِئَا مِنْ الْبَيْعِ فِيهِمَا كَانَا عَلَى الرَّهْنِ بِحَالِهِمَا؛ لِأَنَّ أَصْلَ الرَّهْنِ كَانَ صَحِيحًا وَأَنَّ الْحَقَّ فِي رِقَابِهِمَا قَدْ سَقَطَ عَنْهُمَا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً دَبَّرَ عَبْدَهُ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَثْبَتَ لِلْعَبْدِ عِتْقًا قَدْ يَقَعُ بِحَالٍ قَبْلَ حُلُولِ الرَّهْنِ فَلاَ يَسْقُطُ الْعِتْقُ وَالرَّهْنُ غَيْرُ جَائِزٍ فَإِنْ قَالَ‏:‏ قَدْ رَجَعْت فِي التَّدْبِيرِ أَوْ أَبْطَلْت التَّدْبِيرَ ثُمَّ رَهَنَهُ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ جَائِزًا، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ بَعْدَ الرَّهْنِ قَدْ رَجَعْت فِي التَّدْبِيرِ قَبْلَ أَنْ أَرْهَنَهُ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ بَعْدَ الرَّهْنِ قَدْ رَجَعْت فِي التَّدْبِيرِ وَأَثْبَتَ الرَّهْنَ لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِأَنْ يُجَدِّدَ رَهْنًا بَعْدَ الرُّجُوعِ فِي التَّدْبِيرِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ الرَّهْنَ غَيْرُ جَائِزٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَرْجِعَ فِي التَّدْبِيرِ إلَّا بِأَنْ يُخْرِجَ الْعَبْدَ مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ فَيَبْطُلُ التَّدْبِيرُ، وَإِنْ مَلَكَهُ ثَانِيَةً فَرَهَنَهُ، جَازَ رَهْنُهُ؛ لِأَنَّهُ مَلَكَهُ بِغَيْرِ الْمِلْكِ الْأَوَّلِ وَيَكُونُ هَذَا كَعِتْقٍ إلَى غَايَةٍ لاَ يَبْطُلُ إلَّا بِأَنْ يَخْرُجَ الْعَبْدُ مِنْ مِلْكِهِ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ، وَهَكَذَا الْمُعْتَقُ إلَى وَقْتٍ مِنْ الْأَوْقَاتِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ إنْ دَخَلْتَ الدَّارَ فَأَنْتَ حُرٌّ ثُمَّ رَهَنَهُ كَانَ هَكَذَا، وَلَوْ كَانَ رَهْنُهُ عَبْدًا ثُمَّ دَبَّرَهُ بَعْدَ الرَّهْنِ كَانَ التَّدْبِيرُ مَوْقُوفًا حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يُقَالُ إنْ أَرَدْت إثْبَاتَ التَّدْبِيرِ فَاقْضِ الرَّجُلَ حَقَّهُ أَوْ أَعْطِهِ قِيمَةَ الْعَبْدِ الْمُدَبَّرِ قَضَاءً مِنْ حَقِّهِ، وَإِنْ لَمْ تُرِدْهُ فَارْجِعْ فِي التَّدْبِيرِ بِأَنْ تَبِيعَهُ فَإِنْ أَثْبَتَ الرُّجُوعَ فِي التَّدْبِيرِ بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ أَخَذْنَا مِنْك قِيمَتَهُ فَدَفَعْنَاهَا إلَيْهِ فَإِنْ لَمْ نَجِدْهَا بِيعَ الْعَبْدُ الْمُدَبَّرُ حَتَّى يَقْضِيَ الرَّجُلُ حَقَّهُ، وَإِنَّمَا يَمْنَعُنِي أَنْ آخُذَ الْقِيمَةَ مِنْهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ أَنَّ الْحَقَّ كَانَ إلَى أَجَلٍ لَوْ كَانَ الْعَبْدُ سَالِمًا مِنْ التَّدْبِيرِ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ بَيْعُهُ، وَلَمْ يَكُنْ التَّدْبِيرُ عِتْقًا وَاقِعًا سَاعَتَهُ تِلْكَ، وَكَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَبْطُلَ فَتَرَكْت أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنْهُ حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ فَيَكُونُ الْحُكْمُ حِينَئِذٍ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ عَبْدَهُ ثُمَّ دَبَّرَهُ ثُمَّ مَاتَ الرَّاهِنُ الْمُدَبَّرُ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَفَاءٌ يَقْضِي صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْهُ عَتَقَ الْمُدَبَّرُ مِنْ الثُّلُثِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يَقْضِي حَقَّهُ مِنْهُ، وَلَمْ يَدَعْ مَالاً إلَّا الْمُدَبَّرَ بِيعَ مِنْ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ الْحَقِّ فَإِنْ فَضَلَ مِنْهُ فَضْلٌ عَتَقَ ثُلُثُ مَا بَقِيَ مِنْ الْمُدَبَّرِ بَعْدَ قَضَاءِ صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مَا يَقْضِي صَاحِبَ الْحَقِّ بَعْضَ حَقِّهِ قَضَيْته وَبِيعَ لَهُ مِنْ الْعَبْدِ الرَّهْنِ الْمُدَبَّرِ بِقَدْرِ مَا يَبْقَى مِنْ دَيْنِهِ وَعَتَقَ مَا يَبْقَى مِنْهُ فِي الثُّلُثِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا لَهُ قَدْ أَعْتَقَهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لِلْعِتْقِ الَّذِي فِيهِ، وَهَذَا فِي حَالِ الْمُدَبَّرِ أَوْ أَكْثَرَ حَالاً مِنْهُ لاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهِ بِحَالٍ، وَلَوْ رَهَنَهُ ثُمَّ أَعْتَقَهُ إلَى سَنَةٍ أَوْ أَكْثَرَ مِنْ سَنَةٍ كَانَ الْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي الْعَبْدِ يَرْهَنُهُ ثُمَّ يُدَبِّرُهُ، وَإِذَا رَهَنَهُ عَبْدًا اشْتَرَاهُ شِرَاءً فَاسِدًا فَالرَّهْنُ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ مَا رَهَنَهُ، وَلَوْ لَمْ يَرْفَعْ الرَّاهِنُ الْحُكْمَ إلَى الْحَاكِمِ حَتَّى يَمْلِكَ الْعَبْدَ بَعْدُ فَأَرَادَ إقْرَارَهُ عَلَى الرَّهْنِ الْأَوَّلِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُمَا حَتَّى يُجَدِّدَا فِيهِ رَهْنًا مُسْتَقْبَلاً بَعْدَ الْمِلْكِ الصَّحِيحِ، وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً رَهَنَ رَجُلاً عَبْدًا لِرَجُلٍ غَائِبٍ حَيٍّ أَوْ لِرَجُلٍ مَيِّتٍ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ ثُمَّ عَلِمَ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ الْمَيِّتَ أَوْصَى بِهِ لِلرَّاهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ، وَلاَ يَمْلِكُهُ، وَلَوْ قَبِلَهُ الرَّاهِنُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا لاَ يَجُوزُ حَتَّى يَرْهَنَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ، وَلَوْ لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ وَادَّعَى الْمُرْتَهِنُ أَنَّ الرَّاهِنَ رَهَنَهُ إيَّاهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ كَانَ رَهْنًا وَعَلَى الْمُرْتَهِنِ الْيَمِينُ مَا رَهَنَهُ مِنْهُ إلَّا وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَإِنْ نَكَلَ عَنْ الْيَمِينِ حَلَفَ الرَّاهِنُ مَا رَهَنَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ ثُمَّ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا‏.‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَصِيرًا حُلْوًا كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا مَا بَقِيَ عَصِيرًا بِحَالِهِ فَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَكُونَ خَلًّا أَوْ مُزًّا أَوْ شَيْئًا لاَ يُسْكِرُ كَثِيرُهُ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ، وَهَذَا كَعَبْدٍ رَهَنَهُ ثُمَّ دَخَلَهُ عَيْبٌ أَوْ رَهَنَهُ مَعِيبًا فَذَهَبَ عَنْهُ الْعَيْبُ أَوْ مَرِيضًا فَصَحَّ فَالرَّهْنُ بِحَالِهِ لاَ يَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ حَالِهِ؛ لِأَنَّ بَدَنَ الرَّهْنِ بِعَيْنِهِ، وَإِنْ حَالَ إلَى أَنْ يَصِيرَ مُسْكِرًا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ حَالٌ إلَى أَنْ يَصِيرَ حَرَامًا لاَ يَصِحُّ بَيْعُهُ كَهُوَ لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ الْعَبْدُ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ عَصِيرًا فَصَبَّ فِيهِ الرَّاهِنُ خَلًّا أَوْ مِلْحًا أَوْ مَاءً فَصَارَ خَلًّا كَانَ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَلَوْ صَارَ خَمْرًا ثُمَّ صَبَّ فِيهِ الرَّاهِنُ خَلًّا أَوْ مِلْحًا أَوْ مَاءً فَصَارَ خَلًّا خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ حِينَ صَارَ خَمْرًا، وَلَمْ يَحِلَّ لِمَالِكِهِ، وَلاَ تَحِلُّ الْخَمْرُ عِنْدِي وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَبَدًا إذَا فَسَدَتْ بِعَمَلِ آدَمِيٍّ فَإِنْ صَارَ الْعَصِيرُ خَمْرًا ثُمَّ صَارَ خَلًّا مِنْ غَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ، وَلاَ أَحْسَبُهُ يَعُودُ خَمْرًا ثُمَّ يَعُودُ خَلًّا بِغَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ إلَّا بِأَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ خَلًّا فَلاَ يُنْظَرُ إلَى تَصَرُّفِهِ فِيمَا بَيْنَ أَنْ كَانَ عَصِيرًا إلَى أَنْ كَانَ خَلًّا وَيَكُونُ انْقِلاَبُهُ عَنْ الْحَلاَوَةِ وَالْحُمُوضَةِ مَنْزِلَةً انْقَلَبَ عَنْهَا كَمَا انْقَلَبَ عَنْ الْحَلاَوَةِ الْأُولَى إلَى غَيْرِهَا ثُمَّ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ مَصِيرِهِ إذَا كَانَ بِغَيْرِ صَنْعَةِ آدَمِيٍّ‏.‏ وَلَوْ تَبَايَعَا الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ عَصِيرًا بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ، وَقَبَضَهُ ثُمَّ صَارَ فِي يَدَيْهِ خَمْرًا خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْبَائِعِ أَنْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ لِفَسَادِ الرَّهْنِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَمَاتَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَفْسَخَهُ بِمَوْتِ الْعَبْدِ‏.‏ وَلَوْ تَبَايَعَا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ هَذَا الْعَصِيرَ فَرَهَنَهُ إيَّاهُ، فَإِذَا هُوَ مِنْ سَاعَتِهِ خَمْرٌ كَانَ لَهُ الْخِيَارُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتِمَّ لَهُ الرَّهْنُ‏.‏ وَلَوْ اخْتَلَفَا فِي الْعَصِيرِ فَقَالَ الرَّاهِنُ رَهَنْتُكَهُ عَصِيرًا ثُمَّ عَادَ فِي يَدَيْك خَمْرًا، وَقَالَ‏:‏ الْمُرْتَهِنُ بَلْ رَهَنْتَنِيهِ خَمْرًا فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ هَذَا يَحْدُثُ كَمَا لَوْ بَاعَهُ عَبْدًا فَوَجَدَ بِهِ عَيْبًا يَحْدُثُ مِثْلُهُ فَقَالَ الْمُشْتَرِي‏:‏ بِعْتَنِيهِ وَبِهِ الْعَيْبُ، وَقَالَ الْبَائِعُ‏:‏ حَدَثَ عِنْدَك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَنْ قَالَ هَذَا الْقَوْلَ قَالَ‏:‏ يُهْرَاقُ الْخَمْرُ، وَلاَ رَهْنَ لَهُ وَالْبَيْعُ لاَزِمٌ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُقِرَّ لَهُ أَنَّهُ قَبَضَ مِنْهُ شَيْئًا يَحِلُّ ارْتِهَانُهُ بِحَالٍ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ مُحَرَّمٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَلَيْسَ هَذَا كَالْعَيْبِ الَّذِي يَحِلُّ مِلْكُ الْعَبْدِ، وَهُوَ بِهِ وَالْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي أَنْ يَكُونَ حَقُّهُ ثَابِتًا بِلاَ رَهْنٍ أَوْ يَفْسَخَ الْبَيْعَ، وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الرَّهْنَ عَلَى أَنْ يَنْتَفِعَ الْمُرْتَهِنُ بِالرَّهْنِ إنْ كَانَتْ دَارًا سَكَنَهَا أَوْ دَابَّةً رَكِبَهَا فَالشَّرْطُ فِي الرَّهْنِ بَاطِلٌ، وَلَوْ كَانَ اشْتَرَى مِنْهُ عَلَى هَذَا فَالْبَائِعُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الْبَيْعِ أَوْ إقْرَارِهِ بِالرَّهْنِ، وَلاَ شَرْطَ لَهُ فِيهِ، وَلاَ يَفْسُدُ هَذَا الرَّهْنُ إنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ زِيَادَةً مَعَ الرَّهْنِ بَطَلَتْ لاَ الرَّهْنُ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إنَّ الْبَيْعَ إذَا كَانَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَالْبَيْعُ مُنْتَقَضٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَهُوَ أَصَحُّهُمَا‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلاَ بَأْسَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْأَمَةَ، وَلَهَا وَلَدٌ صَغِيرٌ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِتَفْرِقَةٍ مِنْهُ‏.‏

الرَّهْنُ الْفَاسِدُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَالرَّهْنُ الْفَاسِدُ أَنْ يَرْتَهِنَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ مُكَاتَبَهُ قَبْلَ أَنْ يَعْجِزَ، وَلَوْ عَجَزَ لَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّهْنِ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ رَهْنًا يَقْبِضُهُ بَعْدَ عَجْزِهِ، وَلَوْ ارْتَهَنَ مِنْهُ أُمَّ وَلَدِهِ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يَبِيعُ أُمَّ الْوَلَدِ أَوْ يَرْتَهِنُ مِنْ الرَّجُلِ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ بَيْعُهُ مِثْلَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ أَوْ يَرْتَهِنُ مِنْهُ مَا لاَ يَمْلِكُ فَيَقُولُ أَرْهَنُك هَذِهِ الدَّارَ الَّتِي أَنَا فِيهَا سَاكِنٌ وَيُقْبِضُهُ إيَّاهَا، أَوْ هَذَا الْعَبْدَ الَّذِي هُوَ فِي يَدَيَّ عَارِيَّةً أَوْ بِإِجَارَةٍ وَيُقْبِضُهُ إيَّاهُ عَلَى أَنِّي اشْتَرَيْته ثُمَّ يَشْتَرِيهِ فَلاَ يَكُونُ رَهْنًا، وَلاَ يَكُونُ شَيْءٌ رَهْنًا حَتَّى يَنْعَقِدَ الرَّهْنُ وَالْقَبْضُ فِيهِ وَالرَّاهِنُ مَالِكٌ لاَ يَجُوزُ بَيْعُهُ قَبْلَ الرَّهْنِ وَبَيْعُهُ مَعَهُ، وَلَوْ عَقَدَ الرَّهْنَ، وَهُوَ لاَ يَجُوزُ لَهُ رَهْنُهُ ثُمَّ أَقْبَضَهُ إيَّاهُ، وَهُوَ يَجُوزُ رَهْنُهُ لَمْ يَكُنْ رَهْنًا حَتَّى يَجْتَمِعَ الْأَمْرَانِ مَعًا، وَذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَرْهَنَهُ الدَّارَ، وَهِيَ رَهْنٌ ثُمَّ يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ فِيهَا فَيُقْبِضُهُ إيَّاهَا، وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ الرَّهْنِ الْأَوَّلِ فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهَا حَتَّى يَحْدُثَ لَهُ رَهْنًا يَقْبِضُهَا بِهِ، وَهِيَ خَارِجَةٌ مِنْ أَنْ تَكُونَ رَهْنًا لِرَجُلٍ أَوْ مِلْكًا لِغَيْرِ الرَّاهِنِ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَرْهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً ذِكْرَ حَقٍّ لَهُ عَلَى رَجُلٍ، قَبْلَ ذَلِكَ الَّذِي عَلَيْهِ، ذِكْرُ الْحَقِّ أَوْ لَمْ يَقْبَلْهُ؛ لِأَنَّ إذْكَارَ الْحُقُوقِ لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ لِلرَّاهِنِ فَيَرْهَنُهَا الْمُرْتَهِنُ، وَإِنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ بِحَقٍّ فِي ذِمَّةِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ فَالشَّهَادَةُ لَيْسَتْ مِلْكًا وَالذِّمَّةُ بِعَيْنِهَا لَيْسَتْ مِلْكًا فَلاَ يَجُوزُ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ أَنْ يَجُوزَ الرَّهْنُ فِيهَا فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الدَّيْنِ وَمَنْ لَمْ يُجِزْهُ‏.‏ أَرَأَيْت إنْ قَضَى الَّذِي عَلَيْهِ ذِكْرُ الْحَقِّ الْمَرْهُونَ صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ أَمَا يَبْرَأُ مِنْ الدَّيْنِ‏؟‏ فَإِذَا بَرِئَ مِنْهُ انْفَسَخَ الْمُرْتَهِنُ لِلدَّيْنِ بِغَيْرِ فَسْخِهِ لَهُ، وَلاَ اقْتِضَائِهِ لِحَقِّهِ، وَلاَ إبْرَائِهِ مِنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ رَهْنٌ إلَى الرَّاهِنِ فَسْخُهُ بِغَيْرِ أَمْرِ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ قِيلَ فَيَتَحَوَّلُ رَهْنُهُ فِيمَا اقْتَضَى مِنْهُ قِيلَ فَهُوَ إذَا رَهَنَهُ مَرَّةً كِتَابًا، وَمَالاً وَالرَّهْنُ لاَ يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا، وَهُوَ إذَا كَانَ لَهُ مَالٌ غَائِبٌ فَقَالَ‏:‏ أَرْهَنُك مَالِي الْغَائِبَ لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُقْبَضَ وَالْمَالُ كَانَ غَيْرَ مَقْبُوضٍ حِينَ رَهَنَهُ إيَّاهُ، وَهُوَ فَاسِدٌ مِنْ جَمِيعِ جِهَاتِهِ‏.‏ وَلَوْ ارْتَهَنَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ عَبْدًا، وَقَبَضَهُ ثُمَّ إنَّ الْمُرْتَهِنَ رَهَنَ رَجُلاً أَجْنَبِيًّا الْعَبْدَ الَّذِي ارْتَهَنَ أَوْ قَالَ‏:‏ حَقِّي فِي الْعَبْدِ الَّذِي ارْتَهَنْت لَك رَهْنٌ، وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَمْلِكُ الْعَبْدَ الَّذِي ارْتَهَنَ، وَإِنَّمَا لَهُ شَيْءٌ فِي ذِمَّةِ مَالِكِهِ جَعَلَ هَذَا الرَّهْنَ وَثِيقَةً مِنْهُ إذَا أَدَّاهُ الْمَالِكُ انْفَسَخَ مِنْ عُنُقِ هَذَا‏.‏ أَوْ رَأَيْت إنْ أَدَّى الرَّاهِنُ الْأَوَّلُ الْحَقَّ أَوْ أَبْرَأَهُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ أَمَا يَنْفَسِخُ الرَّهْنُ‏؟‏

قال‏:‏ فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ فَيَكُونُ الْحَقُّ الَّذِي كَانَ فِيهِ رَهْنًا إذَا قَبَضَهُ مَكَانَهُ، قِيلَ فَهَذَا إذًا مَعَ أَنَّهُ رَهَنَ عَبْدًا لاَ يَمْلِكُهُ رَهَنَ مَرَّةً فِي عَبْدٍ وَأُخْرَى فِي دَنَانِيرَ بِلاَ رِضَا الْمُرْتَهِنِ الْآخَرِ‏.‏ أَرَأَيْت لَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا لِنَفْسِهِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يُعْطِيَ الْمُرْتَهِنَ مَكَانَ الْعَبْدِ خَيْرًا مِنْهُ وَأَكْثَرَ ثَمَنًا أَكَانَ ذَلِكَ لَهُ‏؟‏ فَإِنْ قَالَ‏:‏ لَيْسَ هَذَا لَهُ فَإِذَا كَانَ هَذَا هَكَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا لِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ رَهْنًا لَهُ؛ لِأَنَّهُ إذَا اقْتَضَاهُ مَا فِيهِ خَرَجَ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ لَمْ يُقْبِضْ ارْتَهَنَهُ مَا لَهُ فِيهِ‏.‏ وَإِنْ قَالَ‏:‏ رَجُلٌ لِرَجُلٍ قَدْ رَهَنْتُك أَوَّلَ عَبْدٍ لِي يَطْلُعُ عَلَيَّ أَوْ عَلَى عَبْدٍ وَجَدْته فِي دَارِي فَطَلَعَ عَلَيْهِ عَبْدٌ لَهُ أَوْ وَجَدَ عَبْدًا فِي دَارٍ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ لاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ حَتَّى يَنْعَقِدَ عَلَى شَيْءٍ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ مَا خَرَجَ مِنْ صَدَفِي مِنْ اللُّؤْلُؤِ، وَكَذَلِكَ مَا خَرَجَ مِنْ حَائِطِي مِنْ الثَّمَرِ، وَهُوَ لاَ ثَمَرَ فِيهِ، فَالرَّهْنُ فِي هَذَا كُلِّهِ مَفْسُوخٌ حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ رَهْنًا بَعْدَمَا يَكُونُ عَيْنًا تُقْبَضُ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ رَهَنْتُك أَيَّ دُورِي شِئْت أَوْ أَيَّ عَبِيدِي شِئْت فَشَاءَ بَعْضَهُمْ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا لَمْ يَكُنْ رَهْنًا بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ حَتَّى يُجَدِّدَ فِيهِ رَهْنًا، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً سُكْنَى دَارٍ لَهُ مَعْرُوفَةٍ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهَا لَمْ يَكُنْ رَهْنًا؛ لِأَنَّ السُّكْنَى لَيْسَتْ بِعَيْنٍ قَائِمَةٍ مُحْتَبَسَةٍ وَأَنَّهُ لَوْ حَبَسَ الْمَسْكَنَ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَنْفَعَةٌ لِلْحَابِسِ، وَكَانَ فِيهِ ضَرَرٌ عَلَى الرَّهْنِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ رَهَنْتُك سُكْنَى مَنْزِلِي يَعْنِي يُكْرِيهِ وَيَأْخُذُ كِرَاءَهُ كَانَ إنَّمَا رَهَنَهُ شَيْئًا لاَ يَعْرِفُهُ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ وَيَكُونُ، وَلاَ يَكُونُ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَرْهَنُك سُكْنَى مَنْزِلِي يَعْنِي يَسْكُنُهُ لَمْ يَكُنْ هَذَا كِرَاءً جَائِزًا، وَلاَ رَهْنًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَا لَمْ يَنْتَفِعْ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ إلَّا بِثَمَنِهِ فَإِنْ سَكَنَ عَلَى هَذَا الشَّرْطِ فَعَلَيْهِ كِرَاءُ مِثْلِ السُّكْنَى الَّذِي سَكَنَ‏.‏ وَلَوْ كَانَ لِرَجُلٍ عَبْدٌ فَرَهَنَهُ مِنْ رَجُلٍ ثُمَّ قَالَ‏:‏ لِرَجُلٍ آخَرَ قَدْ رَهَنْتُك مِنْ عَبْدِي الَّذِي رَهَنْت فُلاَنًا مَا فَضَلَ عَنْ حَقِّهِ وَرَضِيَ بِذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ الْأَوَّلُ وَسَلَّمَ الْعَبْدُ فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ أَوْ لَمْ يَرْضَ، وَقَدْ قَبَضَ الْمُرْتَهِنُ الْآخَرُ الرَّهْنَ أَوْ لَمْ يَقْبِضْهُ فَالرَّهْنُ مُنْتَقَضٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْهَنْهُ ثُلُثًا، وَلاَ رُبُعًا، وَلاَ جُزْءًا مَعْلُومًا مِنْ عَبْدٍ، وَإِنَّمَا رَهَنَهُ مَا لاَ يَدْرِي كَمْ هُوَ مِنْ الْعَبْدِ، وَلاَ كَمْ هُوَ مِنْ الثَّمَنِ، وَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ عَلَى هَذَا، وَهُوَ رَهْنٌ لِلْمُرْتَهِنِ الْأَوَّلِ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا بِمِائَةٍ ثُمَّ زَادَهُ مِائَةً، وَقَالَ‏:‏ اجْعَلْ لِي الْفَضْلَ عَنْ الْمِائَةِ الْأُولَى رَهْنًا بِالْمِائَةِ الْآخِرَةِ فَفَعَلَ كَانَ الْعَبْدُ مَرْهُونًا بِالْمِائَةِ الْأُولَى، وَلاَ يَكُونُ مَرْهُونًا بِالْمِائَةِ الْأُخْرَى، وَهِيَ كَالْمَسْأَلَةِ قَبْلَهَا، وَلَوْ أَقَرَّ الرَّاهِنُ أَنَّ الْعَبْدَ اُرْتُهِنَ بِالْمِائَتَيْنِ مَعًا فِي صَفْقَةٍ وَاحِدَةٍ وَادَّعَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ أَنَّ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ ارْتَهَنَا الْعَبْدَ مَعًا بِحَقَّيْهِمَا وَسَمَّيَاهُ وَادَّعَيَا ذَلِكَ مَعًا أَجَزْت ذَلِكَ فَإِذَا أَقَرَّ بِأَنَّهُ رَهَنَهُ رَهْنًا بَعْدَ رَهْنٍ لَمْ يُقْبَلْ، وَلَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ قَالَ‏:‏ وَلَوْ كَانَتْ لِرَجُلٍ عَلَى رَجُلٍ مِائَةٌ فَرَهَنَهُ بِهَا دَارًا ثُمَّ سَأَلَهُ أَنْ يَزِيدَهُ رَهْنًا فَزَادَهُ رَهْنًا غَيْرَ الدَّارِ وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَهَذَا كَرَجُلٍ كَانَ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَتَّى بِلاَ رَهْنٍ ثُمَّ رَهَنَهُ بِهِ رَهْنًا وَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ فَالرَّهْنُ جَائِزٌ، وَهُوَ خِلاَفُ الْمَسْأَلَتَيْنِ قَبْلَهَا‏.‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً رَهَنَ رَجُلاً دَارًا بِأَلْفٍ فَأَقَرَّ الْمُرْتَهِنُ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ أَنَّ هَذَا الدَّارَ رَهْنٌ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ بِأَلْفَيْنِ هَذِهِ الْأَلْفُ وَأَلْفٌ سِوَاهَا فَأَقَرَّ الرَّاهِنُ بِأَلْفٍ لِهَذَا الْمُدَّعِي الرَّهْنَ الْمُقَرَّ لَهُ الْمُرْتَهِنُ بِلاَ رَهْنٍ وَأَنْكَرَ الرَّاهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ رَبِّ الرَّهْنِ، وَالْأَلْفُ الَّتِي لَمْ يُقِرَّ فِيهَا بِالرَّهْنِ عَلَيْهِ بِلاَ رَهْنٍ فِي هَذَا الرَّهْنِ وَالْأُولَى بِالرَّهْنِ الَّذِي أَقَرَّ بِهِ، وَلَوْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ أَقَرَّ أَنَّ هَذِهِ الدَّارَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَجُلٍ وَنَسَبَ ذَلِكَ إلَى أَنَّ الْأَلْفَ الَّتِي بِاسْمِهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ لَزِمَهُ إقْرَارُهُ، وَكَانَتْ الْأَلْفُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَهُوَ كَرَجُلٍ لَهُ عَلَى رَجُلٍ حَقٌّ فَأَقَرَّ أَنَّ ذَلِكَ الْحَقَّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ فَذَلِكَ الْحَقُّ لِرَجُلٍ غَيْرِهِ عَلَى مَا أَقَرَّ بِهِ‏.‏ وَلَوْ دَفَعَ رَجُلٌ إلَى رَجُلٍ حَقًّا فَقَالَ قَدْ رَهَنْتُكَهُ بِمَا فِيهِ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ وَرَضِيَ كَانَ الرَّهْنُ بِمَا فِيهِ إنْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ مُنْفَسِخًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ الْمُرْتَهِنَ لاَ يَدْرِي مَا فِيهِ أَرَأَيْت لَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ شَيْءٌ أَوْ كَانَ فِيهِ شَيْءٌ لاَ قِيمَةَ لَهُ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ قَبِلْته وَأَنَا أَرَى أَنَّ فِيهِ شَيْئًا ذَا ثَمَنٍ أَلَمْ يَكُنْ ارْتَهَنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَالرَّهْنُ لاَ يَجُوزُ إلَّا مَعْلُومًا، وَكَذَلِكَ جِرَابٌ بِمَا فِيهِ وَخَرِيطَةٌ بِمَا فِيهَا وَبَيْتٌ بِمَا فِيهِ مِنْ الْمَتَاعِ، وَلَوْ رَهَنَهُ فِي هَذَا كُلِّهِ الْحَقَّ دُونَ مَا فِيهِ أَوْ قَالَ الْحَقُّ، وَلَمْ يُسَمِّ شَيْئًا كَانَ الْحَقُّ رَهْنًا، وَكَذَلِكَ الْبَيْتُ دُونَ مَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا سُمِّيَ دُونَ مَا فِيهِ، وَكَانَ الْمُرْتَهِنُ بِالْخِيَارِ فِي فَسْخِ الرَّهْنِ وَالْبَيْعِ إنْ كَانَ عَلَيْهِ أَوْ ارْتِهَانِ الْحَقِّ دُونَ مَا فِيهِ، وَهَذَا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْبَيْعَ إنْ كَانَ عَلَيْهِ مَفْسُوخٌ بِكُلِّ حَالٍ فَأَمَّا الْخَرِيطَةُ فَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ فِيهَا إلَّا بِأَنْ يَقُولَ دُونَ مَا فِيهَا؛ لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنْ الْحَقِّ وَالْبَيْتِ أَنَّ لَهُمَا قِيمَةً وَالظَّاهِرُ مِنْ الْخَرِيطَةِ أَنْ لاَ قِيمَةَ لَهَا، وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالرَّهْنِ مَا فِيهَا قَالَ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ مِنْ رَجُلٍ نَخْلاً مُثْمِرًا، وَلَمْ يُسَمِّ الثَّمَرَ فَالثَّمَرُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ طَلْعًا أَوْ بُسْرًا أَوْ كَيْفَ كَانَ فَإِنْ كَانَ قَدْ خَرَجَ طَلْعًا كَانَ أَوْ غَيْرَهُ فَاشْتَرَطَهُ الْمُرْتَهِنُ مَعَ النَّخْلِ فَهُوَ جَائِزٌ، وَهُوَ رَهْنٌ مَعَ النَّخْلِ؛ لِأَنَّهُ عَيْنٌ تُرَى، وَكَذَلِكَ لَوْ ارْتَهَنَ الثَّمَرَ بَعْدَمَا خَرَجَ وَرُئِيَ جَازَ الرَّهْنُ، وَلَهُ تَرْكُهُ فِي نَخْلِهِ حَتَّى يَبْلُغَ وَعَلَى الرَّاهِنِ سَقْيُهُ وَالْقِيَامُ بِمَا لاَ بُدَّ لَهُ مِنْهُ مِمَّا لاَ يَثْبُتُ إلَّا بِهِ وَيَصْلُحُ فِي شَجَرِهِ إلَّا بِهِ كَمَا يَكُونُ عَلَيْهِ نَفَقَةُ عَبْدِهِ إذَا رَهَنَهُ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً نَخْلاً لاَ ثَمَرَةَ فِيهَا عَلَى أَنَّ مَا خَرَجَ مِنْ ثَمَرِهَا رَهْنٌ أَوْ مَاشِيَةٌ لاَ نِتَاجَ مَعَهَا عَلَى أَنَّ مَا نَتَجَتْ رَهْنٌ كَانَ الرَّهْنُ فِي الثَّمَرَةِ وَالنِّتَاجِ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُ ارْتَهَنَ شَيْئًا مَعْلُومًا وَشَيْئًا مَجْهُولاً‏.‏ وَمَنْ أَجَازَ هَذَا فِي الثَّمَرَةِ لَزِمَهُ- وَاَللَّهُ أَعْلَمُ- أَنْ يُجِيزَ أَنْ يَرْهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَا أَخْرَجَتْ نَخْلُهُ الْعَامَ، وَمَا نَتَجَتْ مَاشِيَتُهُ الْعَامَ، وَلَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَرْهَنُك مَا حَدَثَ لِي مِنْ نَخْلٍ أَوْ مَاشِيَةٍ أَوْ ثَمَرَةِ نَخْلٍ أَوْ أَوْلاَدِ مَاشِيَةٍ وَكُلُّ هَذَا لاَ يَجُوزُ فَإِنْ ارْتَهَنَهُ عَلَى هَذَا فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ، وَإِنْ أَخَذَ مِنْ الثَّمَرَةِ شَيْئًا فَهُوَ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ حَتَّى يَرُدَّ مِثْلَهُ، وَكَذَلِكَ وَلَدُ الْمَاشِيَةِ أَوْ قِيمَتُهُ إنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مِثْلٌ، وَلاَ يَفْسُدُ الرَّهْنُ فِي النَّخْلِ وَالْمَاشِيَةِ الَّتِي هِيَ بِأَعْيَانِهَا بِفَسَادِ مَا شُرِطَ مَعَهَا فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ أَنْ يَرْهَنَهُ عَبْدَيْنِ فَيَجِدُ أَحَدَهُمَا حُرًّا أَوْ عَبْدًا أَوْ زِقَّ خَمْرٍ فَيُجِيزُ الْجَائِزَ وَيَرُدُّ الْمَرْدُودَ مَعَهُ‏.‏ وَفِيهَا قَوْلٌ آخَرُ‏:‏ إنَّ الرَّهْنَ كُلَّهُ يَفْسُدُ فِي هَذَا كَمَا يَفْسُدُ فِي الْبُيُوعِ لاَ يَخْتَلِفُ فَإِذَا جَمَعَتْ صَفْقَةُ الرَّهْنِ شَيْئَيْنِ أَحَدُهُمَا جَائِزٌ وَالْآخَرُ غَيْرُ جَائِزٍ فَسَدَا مَعًا وَبِهِ أَخَذَ الرَّبِيعُ، وَقَالَ‏:‏ هُوَ أَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ رَجُلاً كَلْبًا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ لاَ ثَمَنَ لَهُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ مَا لاَ يَحِلُّ بَيْعُهُ لاَ يَجُوزُ رَهْنُهُ، وَلَوْ رَهَنَهُ جُلُودَ مَيْتَةٍ لَمْ تُدْبَغْ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ، وَلَوْ دُبِغَتْ بَعْدُ لَمْ يَجُزْ فَإِنْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بَعْدَمَا دُبِغَتْ جَازَ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّ بَيْعَهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ يَحِلُّ‏.‏ وَلَوْ وَرِثَ رَجُلٌ مَعَ وَرَثَةِ غَيْبٍ دَارًا فَرَهَنَ حَقَّهُ فِيهَا لَمْ يَجُزْ حَتَّى يُسَمِّيَهُ نِصْفًا أَوْ ثُلُثًا أَوْ سَهْمًا مِنْ أَسْهُمٍ فَإِذَا سَمَّى ذَلِكَ، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنَ جَازَ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَيْئًا عَلَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَأْتِ بِالْحَقِّ عِنْدَ مَحِلِّهِ فَالرَّهْنُ بَيْعٌ لِلْمُرْتَهِنِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ وَالْمُرْتَهِنُ فِيهِ أُسْوَةُ الْغُرَمَاءِ، وَلاَ يَكُونُ بَيْعًا لَهُ بِمَا قَالَ‏:‏ لِأَنَّ هَذَا لاَ رَهْنٌ، وَلاَ بَيْعٌ كَمَا يَجُوزُ الرَّهْنُ أَوْ الْبَيْعُ، وَلَوْ هَلَكَ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ قَبْلَ مَحِلِّ الْأَجَلِ لَمْ يَضْمَنْهُ الْمُرْتَهِنُ، وَكَانَ حَقُّهُ بِحَالِهِ كَمَا لاَ يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ، وَلاَ الْفَاسِدَ، وَإِنْ هَلَكَ بَعْدَ مَحِلِّ الْأَجَلِ فِي يَدَيْهِ ضَمِنَهُ بِقِيمَتِهِ، وَكَانَتْ قِيمَتُهُ حِصَصًا بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ؛ لِأَنَّهُ فِي يَدَيْهِ بِبَيْعٍ فَاسِدٍ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الرَّهْنُ الَّذِي فِيهِ هَذَا الشَّرْطُ أَرْضًا فَبَنَى فِيهَا قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ قَلَعَ بِنَاءَهُ مِنْهَا؛ لِأَنَّهُ بَنَى قَبْلَ أَنْ يَجْعَلَهُ بَيْعًا فَكَانَ بَانِيًا قَبْلَ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ بِالْبِنَاءِ فَلِذَلِكَ قَلَعَهُ، وَلَوْ بَنَاهَا بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَالْبُقْعَةُ لِرَاهِنِهَا وَالْعِمَارَةُ لِلَّذِي عَمَّرَ مَتَى أَعْطَى صَاحِبُ الْبُقْعَةِ قِيمَةَ الْعِمَارَةِ قَائِمَةً أَخْرَجَهُ مِنْهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ بِغَيْرِ قِيمَةِ الْعِمَارَةِ؛ لِأَنَّ بِنَاءَهُ كَانَ بِإِذْنِهِ عَلَى الْبَيْعِ الْفَاسِدِ، وَلاَ يَخْرُجُ مِنْ بِنَائِهِ بِإِذْنِ رَبِّ الْبُقْعَةِ إلَّا بِقِيمَتِهِ قَائِمًا، وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ الْمَتَاعَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَا اشْتَرَيْت مِنْك أَوْ اشْتَرَى مِنْك فُلاَنٌ فِي يَوْمَيْنِ أَوْ سَنَتَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ أَوْ عَلَى الْأَبَدِ فَهَذَا الْمَتَاعُ مَرْهُونٌ بِهِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ، وَلاَ يَجُوزُ الرَّهْنُ حَتَّى يَكُونَ مَعْلُومًا بِحَقٍّ مَعْلُومٍ، وَكَذَلِكَ لَوْ دَفَعَهُ إلَيْهِ رَهْنًا بِعَشَرَةٍ عَنْ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ قَالَ‏:‏ كُلُّ مَا كَانَ لَك عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَهَذَا الْمَتَاعُ مَرْهُونٌ بِهِ مَعَ الْعَشَرَةِ أَوْ كُلُّ مَا صَارَ لَك عَلَيَّ مِنْ حَقٍّ فَهَذَا مَرْهُونٌ لَك بِهِ كَانَ رَهْنًا بِالْعَشَرَةِ الْمَعْلُومَةِ الَّتِي قَبَضَ عَلَيْهَا، وَلَمْ يَكُنْ مَرْهُونًا بِمَا صَارَ لَهُ عَلَيْهِ وَعَلَى فُلاَنٍ؛ لِأَنَّهُ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومٍ حِينَ دَفَعَ الرَّهْنَ بِهِ فَإِنْ هَلَكَ الْمَتَاعُ فِي يَدَيْ الْمَدْفُوعِ فِي يَدَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْهُ شَيْئًا أَوْ يَكُونَ لَهُ عَلَى فُلاَنٍ شَيْءٌ أَوْ بَعْدُ فَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ كَمَا لاَ يَضْمَنُ الرَّهْنَ الصَّحِيحَ، وَلاَ الْفَاسِدَ إذَا هَلَكَ، وَلَوْ أَنَّهُ دَفَعَ إلَيْهِ دَارًا رَهَنَهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ ازْدَادَ مِنْهُ أَلْفًا فَجَعَلَ الدَّارَ رَهْنًا بِأَلْفَيْنِ كَانَتْ الدَّارُ رَهْنًا بِالْأَلْفِ الْأُولَى، وَلَمْ تَكُنْ رَهْنًا بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ، وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ بِيعَتْ الدَّارُ فَبُدِّي الْمُرْتَهِنُ بِالْأَلْفِ الْأُولَى مِنْ ثَمَنِ الدَّارِ وَحَاصَّ الْغُرَمَاءَ بِالْأَلْفِ الْآخِرَةِ فِي ثَمَنِ الدَّارِ وَفِي مَالٍ إنْ كَانَ لِلْغَرِيمِ سِوَاهَا فَإِذَا أَرَادَ أَنْ يَصِحَّ لَهُ أَنْ تَكُونَ الدَّارُ رَهْنًا بِأَلْفَيْنِ فَسَخَ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ أَنْ تَكُونَ مَرْهُونَةً بِأَلْفَيْنِ، وَلَوْ رَهَنَهُ إيَّاهَا بِأَلْفٍ ثُمَّ تَقَارَّا عَلَى أَنَّهَا رَهْنٌ بِأَلْفَيْنِ أَلْزَمَتْهُمَا إقْرَارَهُمَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ الْأَوَّلَ مَفْسُوخٌ وَتَجَدَّدَ فِيهَا رَهْنٌ صَحِيحٌ بِأَلْفَيْنِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ الْإِقْرَارُ أَلْزَمْته صَاحِبَهُ قَالَ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ مَا يَفْسُدُ مِنْ يَوْمِهِ أَوْ غَدِهِ أَوْ بَعْدَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلاَثَةٍ أَوْ مُدَّةٍ قَصِيرَةٍ، وَلاَ يَنْتَفِعُ بِهِ يَابِسًا مِثْلَ الْبَقْلِ وَالْبِطِّيخِ وَالْقِثَّاءِ وَالْمَوْزِ، وَمَا أَشْبَهَهُ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا فَلاَ بَأْسَ بِارْتِهَانِهِ وَيُبَاعُ عَلَى الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَ الرَّهْنُ إلَى أَجَلٍ يتباقى إلَيْهِ فَلاَ يَفْسُدُ فَلاَ بَأْسَ، وَإِنْ كَانَ إلَى أَجَلٍ يَفْسُدُ إلَيْهِ الرَّهْنُ كَرِهْتُهُ، وَلَمْ أَفْسَخْهُ، وَإِنَّمَا مَنَعَنِي مِنْ فَسْخِهِ أَنَّ لِلرَّاهِنِ بَيْعَهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ عَلَى أَنْ يُعْطِيَ صَاحِبَ الْحَقِّ حَقَّهُ بِلاَ شَرْطٍ، وَإِنَّ الرَّاهِنَ قَدْ يَمُوتُ مِنْ سَاعَتِهِ فَيُبَاعُ فَإِنْ تَشَارَطَا فِي الرَّهْنِ أَنْ لاَ يَبِيعَهُ إلَى أَنْ يَحِلَّ الْحَقُّ أَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ إنْ مَاتَ لَمْ يَبِعْهُ إلَى يَوْمِ كَذَا، وَهُوَ يَفْسُدُ إلَى تِلْكَ الْمُدَّةِ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَلَوْ رَهَنَهُ مَا يَصْلُحُ بَعْدَ مُدَّةٍ مِثْلَ اللَّحْمِ الرَّطْبِ يَيْبَسُ وَالرُّطَبُ يَيْبَسُ، وَمَا أَشْبَهَهُ كَانَ الرَّهْنُ جَائِزًا لاَ أَكْرَهُهُ بِحَالٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ تَيْبِيسُهُ حَتَّى يَأْذَنَ بِذَلِكَ الرَّاهِنُ فَإِنْ سَأَلَ الْمُرْتَهِنُ فِي الْمَسَائِلِ كُلِّهَا بَيْعَ الرَّهْنِ خَوْفَ فَسَادِهِ إذَا لَمْ يَأْذَنْ لِلْمُرْتَهِنِ بِتَيْبِيسِ مَا يَصْلُحُ لِلتَّيْبِيسِ مِنْهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ، وَكَذَلِكَ كَرِهْت رَهْنَهُ، وَإِنْ لَمْ أَفْسَخْهُ‏.‏

زِيَادَةُ الرَّهْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ الْجَارِيَةَ حُبْلَى فَوَلَدَتْ أَوْ غَيْرَ حُبْلَى فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ فَالْوَلَدُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ فِي رَقَبَةِ الْجَارِيَةِ دُونَ مَا يَحْدُثُ مِنْهَا، وَهَكَذَا إذَا رَهَنَهُ الْمَاشِيَةَ مَخَاضًا فَنَتَجَتْ أَوْ غَيْرَ مَخَاضٍ فَمَخَضَتْ وَنَتَجَتْ فَالنِّتَاجُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ شَاةً فِيهَا لَبَنٌ فَاللَّبَنُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ غَيْرُ الشَّاةِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ اللَّبَنُ إذَا كَانَ فِيهَا حِينَ رَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا كَمَا يَكُونُ إذَا بَاعَهَا كَانَ اللَّبَنُ لِمُشْتَرِيهَا، وَكَذَلِكَ نِتَاجُ الْمَاشِيَةِ إذَا كَانَتْ مَخَاضًا وَوَلَدُ الْجَارِيَةِ إذَا كَانَتْ حُبْلَى يَوْمَ يَرْهَنُهَا فَمَا حَدَثَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ اللَّبَنِ فَلَيْسَ بِرَهْنٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ رَهَنَهُ جَارِيَةً عَلَيْهَا حُلِيٌّ كَانَ الْحُلِيُّ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ نَخْلاً أَوْ شَجَرًا فَأَثْمَرَتْ كَانَتْ الثَّمَرَةُ خَارِجَةً مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهَا غَيْرُ الشَّجَرَةِ‏.‏ قَالَ‏:‏ وَأَصْلُ مَعْرِفَةِ هَذَا أَنَّ لِلْمُرْتَهِنِ حَقًّا فِي رَقَبَةِ الرَّهْنِ دُونَ غَيْرِهِ، وَمَا يَحْدُثُ مِنْهُ مِمَّا قَدْ يَتَمَيَّزُ مِنْهُ غَيْرُهُ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا فَاكْتَسَبَ الْعَبْدُ كَانَ الْكَسْبُ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ الْعَبْدِ، وَالْوِلاَدُ وَالنِّتَاجُ وَاللَّبَنُ، وَكَسْبُ الرَّهْنِ كُلُّهُ لِلرَّاهِنِ لَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَحْبِسَ شَيْئًا عَنْهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدًا فَدَفَعَهُ إلَيْهِ فَهُوَ عَلَى يَدَيْهِ رَهْنٌ، وَلاَ يُمْنَعُ سَيِّدُهُ مِنْ أَنْ يُؤَجِّرَهُ مِمَّنْ شَاءَ فَإِنْ شَاءَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ يَحْضُرَ إجَارَتَهُ حَضَرَهَا، وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ أَنْ يَخْدُمَهُ خَلَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِذَا كَانَ اللَّيْلُ أَوَى إلَى الَّذِي هُوَ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ إلَّا بِإِذْنِ الْمُرْتَهِنِ، وَهَكَذَا إنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ إخْرَاجَهُ مِنْ الْبَلَدِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْهُ، وَإِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أُخِذَ الرَّاهِنُ بِنَفَقَتِهِ، وَإِذَا مَاتَ أُخِذَ بِكَفَنِهِ؛ لِأَنَّهُ مَالِكُهُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ‏.‏ وَأَكْرَهُ رَهْنَ الْأَمَةِ إلَّا أَنْ تُوضَعَ عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ ثِقَةٍ لِئَلَّا يُغِبَّ عَلَيْهَا رَجُلٌ غَيْرُ مَالِكِهَا، وَلاَ أَفْسَخُ رَهْنَهَا إنْ رَهَنَهَا فَإِنْ كَانَ لِلرَّجُلِ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ أَهْلٌ أَقْرَرْتهَا عِنْدَهُمْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ نِسَاءٌ وَسَأَلَ الرَّاهِنُ أَنْ لاَ يَخْلُوَ الَّذِي هِيَ عَلَى يَدَيْهِ بِهَا أَقْرَرْتهَا رَهْنًا، وَمَنَعْت الرَّجُلَ غَيْرَ سَيِّدِهَا الْمُغِبِّ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَخْلُوَ الرَّجُلُ بِامْرَأَةٍ، وَقُلْتُ‏:‏ إنْ تَرَاضَيَا بِامْرَأَةٍ تُغُيِّبَ عَلَيْهَا‏.‏ وَإِنْ أَرَادَ سَيِّدُهَا أَخْذَهَا لِتَخْدُمَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَخْلُوَ بِهَا خَوْفَ أَنْ يُحْبِلَهَا فَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الرَّاهِنُ فَيَتَوَاضَعَانِهَا عَلَى يَدَيْ امْرَأَةٍ بِحَالٍ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ جُبِرَا عَلَى ذَلِكَ، وَلَوْ شَرَطَ السَّيِّدُ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ تَكُونَ عَلَى يَدَيْهِ أَوْ يَدِ رَجُلٍ غَيْرِهِ، وَلاَ أَهْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ سَأَلَ إخْرَاجَهَا أَخْرَجْتهَا إلَى امْرَأَةٍ ثِقَةٍ، وَلَمْ أُجِزْ أَبَدًا أَنْ يَخْلُوَ بِهَا رَجُلٌ غَيْرُ مَالِكِهَا وَعَلَى سَيِّدِ الْأَمَةِ نَفَقَتُهَا حَيَّةً، وَكَفَنُهَا مَيِّتَةً‏.‏ وَهَكَذَا إنْ رَهَنَهُ دَابَّةً تُعْلَفُ فَعَلَيْهِ عَلَفُهَا وَتَأْوِي إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ إلَى الَّذِي وُضِعَتْ عَلَى يَدَيْهِ، وَلاَ يُمْنَعُ مَالِكُ الدَّابَّةِ مِنْ كِرَائِهَا وَرُكُوبِهَا، وَإِذَا كَانَ فِي الرَّهْنِ دَرٌّ، وَمَرْكَبٌ فَلِلرَّاهِنِ حَلْبُ الرَّهْنِ وَرُكُوبِهِ‏.‏

أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ الرَّهْنُ مَرْكُوبٌ، وَمَحْلُوبٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ يُشْبِهُ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ- أَنَّ مَنْ رَهَنَ ذَاتَ دَرٍّ وَظَهْرٍ لَمْ يُمْنَعْ الرَّاهِنُ دَرَّهَا وَظَهْرَهَا؛ لِأَنَّ لَهُ رَقَبَتَهَا، وَهِيَ مَحْلُوبَةٌ، وَمَرْكُوبَةٌ كَمَا كَانَتْ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَلاَ يُمْنَعُ الرَّاهِنُ بِرَهْنِهِ إيَّاهَا مِنْ الدَّرِّ وَالظَّهْرِ الَّذِي لَيْسَ هُوَ الرَّهْنُ بِالرَّهْنِ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الدَّرِّ وَالظَّهْرِ‏.‏ وَهَكَذَا إذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً رَاعِيَةً فَعَلَى رَبِّهَا رَعْيُهَا، وَلَهُ حَلْبُهَا وَنِتَاجُهَا وَتَأْوِي إلَى الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً، وَهُوَ فِي بَادِيَةٍ فَأَجْدَبَ مَوْضِعُهَا وَأَرَادَ الْمُرْتَهِنُ حَبْسَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ وَيُقَالُ لَهُ إنْ رَضِيت أَنْ يَنْتَجِعَ بِهَا رَبُّهَا، وَإِلَّا جُبِرْت أَنْ تَضَعَهَا عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ يَنْتَجِعُ بِهَا إذَا طَلَبَ ذَلِكَ رَبُّهَا، وَإِذَا أَرَادَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ النُّجْعَةَ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ وَالْمُرْتَهِنِ الْمُقَامَ قِيلَ لِرَبِّ الْمَاشِيَةِ لَيْسَ لَك إخْرَاجُهَا مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي رَهَنْتهَا بِهِ إلَّا مِنْ ضَرَرٍ عَلَيْهَا، وَلاَ ضَرَرَ عَلَيْهِ فَوَكِّلْ بِرِسْلِهَا مَنْ شِئْت‏.‏ وَإِنْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ النُّجْعَةَ مِنْ غَيْرِ جَدْبٍ قِيلَ لَهُ لَيْسَ لَك تَحْوِيلُهَا مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي ارْتَهَنْتهَا بِهِ وَبِحَضْرَةِ مَالِكِهَا إلَّا مِنْ ضَرُورَةٍ فَتَرَاضَيَا مَنْ شِئْتُمَا مِمَّنْ يُقِيمُ فِي الدَّارِ مَا كَانَتْ غَيْرَ مُجْدِبَةٍ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ جُبِرَا عَلَى رَجُلٍ تَأْوِي إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ الْأَرْضُ الَّتِي رَهَنَهَا بِهَا غَيْرَ مُجْدِبَةٍ وَغَيْرُهَا أَخْصَبُ مِنْهَا لَمْ يُجْبَرْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى نَقْلِهَا مِنْهَا فَإِنْ أَجْدَبَتْ فَاخْتَلَفَتْ نُجْعَتُهُمَا إلَى بَلَدَيْنِ مُشْتَبِهَيْنِ فِي الْخِصْبِ فَسَأَلَ رَبُّ الْمَاشِيَةِ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ وَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ أَنْ تَكُونَ مَعَهُ قِيلَ إنْ اجْتَمَعْتُمَا مَعًا بِبَلَدٍ فَهِيَ مَعَ الْمُرْتَهِنِ أَوْ الْمَوْضُوعَةِ عَلَى يَدَيْهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَتْ دَارُكُمَا فَاخْتَلَفْتُمَا جُبِرْتُمَا عَلَى عَدْلٍ تَكُونُ عَلَى يَدَيْهِ فِي الْبَلَدِ الَّذِي يَنْتَجِعُ إلَيْهِ رَبُّ الْمَاشِيَةِ؛ لِيَنْتَفِعَ بِرِسْلِهَا وَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى بَلَدٍ فِيهِ عَلَيْهَا ضَرَرٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْحَقُّ الرَّاهِنُ فِي رِقَابِهَا وَرِسْلِهَا وَحَقُّ الْمُرْتَهِنِ فِي رِقَابِهَا‏.‏ وَإِذَا رَهَنَهُ مَاشِيَةً عَلَيْهَا صُوفٌ أَوْ شَعْرٌ أَوْ وَبَرٌ فَإِنْ أَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يَجُزَّهُ فَذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ صُوفَهَا وَشَعْرَهَا وَوَبَرَهَا غَيْرُهَا كَاللَّبَنِ وَالنِّتَاجِ وَسَوَاءٌ كَانَ الدَّيْنُ حَالًّا أَوْ لَمْ يَكُنْ أَوْ قَامَ الْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ أَوْ لَمْ يَقُمْ كَمَا يَكُونُ ذَلِكَ سَوَاءً فِي اللَّبَنِ‏.‏

قَالَ الرَّبِيعُ‏:‏ وَقَدْ قِيلَ إنَّ صُوفَهَا إذَا كَانَ عَلَيْهَا يَوْمَ رَهَنَهَا فَهُوَ رَهْنٌ مَعَهَا وَيُجَزُّ وَيَكُونُ مَعَهَا مَرْهُونًا لِئَلَّا يَخْتَلِطَ بِهِ مَا يَحْدُثُ مِنْ الصُّوفِ؛ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ لِلرَّاهِنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَهُ دَابَّةً أَوْ مَاشِيَةً فَأَرَادَ أَنْ يُنْزِيَ عَلَيْهَا وَأَبَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَلَيْسَ ذَلِكَ لِلْمُرْتَهِنِ فَإِنْ كَانَ رَهَنَهُ مِنْهَا ذُكْرَانًا فَأَرَادَ أَنْ يُنْزِيَهَا فَلَهُ أَنْ يُنْزِيَهَا؛ لِأَنَّ إنْزَاءَهَا مِنْ مَنْفَعَتِهَا، وَلاَ نَقَصَ فِيهِ عَلَيْهَا، وَهُوَ يَمْلِكُ مَنَافِعَهَا وَإِذَا كَانَ فِيهَا مَا يُرْكَبُ وَيُكْرَى لَمْ يُمْنَعْ أَنْ يُكْرِيَهُ وَيَعْلِفَهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَهُ عَبْدًا فَأَرَادَ الرَّاهِنُ أَنْ يُزَوِّجَهُ أَوْ أَمَةً فَأَرَادَ أَنْ يُزَوِّجَهَا فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ؛ لِأَنَّ ثَمَنَ الْعَبْدِ أَوْ الْأَمَةِ يَنْتَقِصُ بِالتَّزْوِيجِ وَيَكُونُ مَفْسَدَةً لَهَا بَيِّنَةٌ وَعُهْدَةٌ فِيهَا، وَكَذَلِكَ الْعَبْدُ، وَلَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً صَغِيرَيْنِ لَمْ يُمْنَعْ أَنْ يُعَذِّرَهُمَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ سُنَّةٌ فِيهِمَا، وَهُوَ صَلاَحُهُمَا وَزِيَادَةٌ فِي أَثْمَانِهِمَا، وَكَذَلِكَ لَوْ عَرَضَ لَهُمَا مَا يَحْتَاجَانِ فِيهِ إلَى فَتْحِ الْعُرُوقِ وَشُرْبِ الدَّوَاءِ أَوْ عَرَضَ لِلدَّوَابِّ مَا تَحْتَاجُ بِهِ إلَى عِلاَجِ الْبَيَاطِرَةِ مِنْ تَوْدِيجٍ وَتَبْزِيغٍ وَتَعْرِيبٍ، وَمَا أَشْبَهَهُ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَإِنْ امْتَنَعَ الرَّاهِنُ أَنْ يُعَالِجَهَا بِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ فَإِنْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ أَنَا أُعَالِجُهَا وَأَحْسِبُهُ عَلَى الرَّاهِنِ فَلَيْسَ ذَلِكَ لَهُ، وَهَكَذَا إنْ كَانَتْ مَاشِيَةً فَجَرِبَتْ لَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يَمْنَعَ الرَّاهِنَ مِنْ عِلاَجِهَا، وَلَمْ يُجْبَرْ الرَّاهِنُ عَلَى عِلاَجِهَا، وَمَا كَانَ مِنْ عِلاَجِهَا يَنْفَعُ، وَلاَ يَضُرُّ مِثْلَ أَنْ يُمَلِّحَهَا أَوْ يَدْهُنَهَا فِي غَيْرِ الْحَرِّ بِالزَّيْتِ أَوْ يَمْسَحَهَا بِالْقَطْرَانِ مَسْحًا خَفِيفًا أَوْ يَسْعَطَ الْجَارِيَةَ أَوْ الْغُلاَمَ أَوْ يَمْرَخَ قَدَمَيْهِ أَوْ يُطْعِمَهُ سَوِيقًا قِفَارًا أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا فَتَطَوَّعَ الْمُرْتَهِنُ بِعِلاَجِهَا بِهِ لَمْ يُمْنَعْ مِنْهُ، وَلَمْ يَرْجِعْ عَلَى الرَّاهِنِ بِهِ‏.‏ وَمَا كَانَ مِنْ عِلاَجِهَا يَنْفَعُ أَوْ يَضُرُّ مِثْلَ فَتْحِ الْعُرُوقِ وَشُرْبِ الْأَدْوِيَةِ الْكِبَارِ الَّتِي قَدْ تَقْتُلُ فَلَيْسَ لِلْمُرْتَهِنِ عِلاَجُ الْعَبْدِ، وَلاَ الدَّابَّةِ، وَإِنْ فَعَلَ وَعَطِبَتْ ضَمِنَ إلَّا أَنْ يَأْذَنَ السَّيِّدُ لَهُ بِهِ، وَإِذَا كَانَ الرَّهْنُ أَرْضًا لَمْ يُمْنَعْ الرَّاهِنُ مِنْ أَنْ يَزْرَعَهَا الزَّرْعَ الَّذِي يُقْلَعُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ أَوْ مَعَهُ وَفِيمَا لاَ يَنْبُتُ مِنْ الزَّرْعِ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنْ يُمْنَعَ الرَّاهِنُ فِي قَوْلِ مَنْ لاَ يُجِيزُ بَيْعَ الْأَرْضِ مَنْزُوعَةً دُونَ الزَّرْعِ مِنْ زَرْعِهَا مَا يَنْبُتُ فِيهَا بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ، وَإِذَا تَعَدَّى فَزَرَعَهَا بِغَيْرِ إذْنِ الْمُرْتَهِنِ مَا يَنْبُتُ فِيهَا بَعْدَ مَحِلِّ الْحَقِّ لَمْ يُقْلَعْ زَرْعُهُ حَتَّى يَأْتِيَ مَحِلُّ الْحَقِّ فَإِنْ قَضَاهُ تَرَكَ زَرْعَهُ، وَإِنْ بِيعَتْ الْأَرْضُ مَزْرُوعَةً فَبَلَغَتْ وَفَاءَ حَقِّهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ قَلْعُ زَرْعِهِ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْ وَفَاءَ حَقِّهِ إلَّا بِأَنْ يُقْلَعَ الزَّرْعُ أَمَرَ بِقَلْعِهِ إلَّا أَنْ يَجِدَ مَنْ يَشْتَرِيهَا مِنْهُ بِحَقِّهِ عَلَى أَنْ يَقْلَعَ الزَّرْعَ ثُمَّ يَدَعَهُ إنْ شَاءَ مُتَطَوِّعًا‏.‏ وَهَذَا فِي قَوْلِ مَنْ أَجَازَ بَيْعَ الْأَرْضِ مَزْرُوعَةً‏.‏ وَالْقَوْلُ الثَّانِي‏:‏ لاَ يُمْنَعُ مِنْ زَرْعِهَا بِحَالٍ وَيُمْنَعُ مِنْ غِرَاسِهَا وَبِنَائِهَا إلَّا أَنْ يَقُولَ‏:‏ أَنَا أَقْلَعُ مَا أَحْدَثْت إذَا جَاءَ الْأَجَلُ فَلاَ يَمْنَعُهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَهُ الْأَرْضَ فَأَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِيهَا عَيْنًا أَوْ بِئْرًا فَإِنْ كَانَتْ الْعَيْنُ أَوْ الْبِئْرُ تَزِيدُ فِيهَا أَوْ لاَ تَنْقُصُ ثَمَنَهَا لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ تَنْقُصُ ثَمَنَهَا، وَلاَ يَكُونُ فِيمَا يَبْقَى مِنْهَا عِوَضٌ مِنْ نَقْصِ مَوْضِعِ الْبِئْرِ أَوْ الْعَيْنِ بِأَنْ يَصِيرَ إذَا كَانَا فِيهِ أَقَلَّ ثَمَنًا مِنْهُ قَبْلَ يَكُونَانِ فِيهِ مَنَعَهُ، وَإِنْ تَعَدَّى بِعَمَلِهِ فَهُوَ كَمَا قُلْت فِي الزَّرْعِ لاَ يَدْفِنُ عَلَيْهِ حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ الْقَوْلَ فِي الزَّرْعِ وَالْغِرَاسِ، وَهَكَذَا كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يُحْدِثَ فِي الْأَرْضِ الْمَرْهُونَةِ إنْ كَانَ لاَ يَنْقُصُهَا لَمْ يَمْنَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُهَا مَنَعَهُ مَا يَبْقَى، وَلاَ يَكُونُ مَا أَحْدَثَ فِيهَا دَاخِلاً فِي الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يُدْخِلَهُ الرَّاهِنُ فَكَانَ إذَا أَدْخَلَهُ لَمْ يَنْقُصْ الرَّهْنُ لَمْ يَمْنَعْهُ، وَإِنْ كَانَ يَنْقُصُهُ مَنَعَهُ، وَإِذَا رَهَنَهُ نَخْلاً لَمْ يَمْنَعْهُ أَنْ يَأْبُرَهَا وَيَصْرِمَهَا يَعْنِي يَقْطَعُ جَرِيدَهَا، وَكَرَانِيفَهَا وَكُلَّ شَيْءٍ انْتَفَعَ بِهِ مِنْهَا لاَ يَقْتُلُ النَّخْلَ، وَلاَ يُنْقِصُ ثَمَنَهُ نَقْصًا بَيِّنًا وَيَمْنَعُ مَا قَتَلَ النَّخْلَ وَأَضَرَّ بِهِ مِنْ ذَلِكَ‏.‏ وَإِنْ رَهَنَهُ نَخْلاً فِي الشِّرْبَةِ مِنْهُ نَخَلاَتٌ فَأَرَادَ تَحْوِيلَهُنَّ إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ وَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ سُئِلَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالنَّخْلِ فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْأَكْثَرَ لِثَمَنِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَنْ يُتْرَكْنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْوِيلُهُنَّ، وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّ الْأَكْثَرَ بِثَمَنِ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ أَنْ يُحَوَّلَ بَعْضُهُنَّ، وَلَوْ تُرِكَ مَاتَ؛ لِأَنَّهُنَّ إذَا كَانَ بَعْضُهُنَّ مَعَ بَعْضٍ قَتْلَهُ أَوْ مَنْعَ مَنْفَعَتِهِ حَوَّلَ مِنْ الشِّرْبَةِ حَتَّى يَبْقَى فِيهَا مَا لاَ يَضُرُّ بَعْضُهُ بَعْضًا، وَإِنْ زَعَمُوا أَنْ لَوْ حُوِّلَ كُلُّهُ كَانَ خَيْرًا لِلْأَرْضِ فِي الْعَاقِبَةِ وَأَنَّهُ قَدْ لاَ يَثْبُتُ لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ الْأَرْضِ أَنْ يُحَوِّلَهُ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ قَدْ لاَ يَثْبُتُ، وَإِنَّمَا لَهُ أَنْ يُحَوِّلَ مِنْهُ مَا لاَ نَقْصَ فِي تَحْوِيلِهِ عَلَى الْأَرْضِ لَوْ هَلَكَ كُلُّهُ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ أَرَادَ أَنْ يُحَوِّلَ مَسَاقِيَهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ نَقْصُ النَّخْلِ أَوْ الْأَرْضِ تُرِكَ، وَإِنْ كَانَ فِيهِ نَقْصُ الْأَرْضِ أَوْ النَّخْلِ أَوْ هُمَا لَمْ يُتْرَكْ فَإِنْ كَانَتْ فِي الشِّرْبَةِ نَخَلاَتٌ فَقِيلَ الْأَكْثَرُ لِثَمَنِ الْأَرْضِ أَنْ يُقْطَعَ بَعْضُهُنَّ تُرِكَ الرَّاهِنُ وَقَطْعُهُ، وَكَانَ جَمِيعُ النَّخْلَةِ الْمَقْطُوعَةِ جِذْعُهَا وَجِمَارُهَا رَهْنًا بِحَالِهِ، وَكَذَلِكَ قُلُوبُهَا، وَمَا كَانَ مِنْ جَرِيدِهَا لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً لَمْ يَكُنْ لِرَبِّ النَّخْلَةِ قَطْعُهَا، وَكَانَ مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ ثَمَرِهَا وَجَرِيدِهَا الَّذِي لَوْ كَانَتْ قَائِمَةً كَانَ لِرَبِّ النَّخْلَةِ نَزْعُهُ مِنْ كَرَانِيفَ وَلِيفٍ لِرَبِّ النَّخْلَةِ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ، وَإِذَا قَلَعَ مِنْهَا شَيْئًا فَثَبَّتَهُ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ رَهْنٌ فَهُوَ رَهْنٌ فِيهَا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ، وَقَعَ عَلَيْهِ‏.‏ وَإِذَا أَخْرَجَهُ إلَى أَرْضٍ غَيْرِهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ إنْ كَانَ لَهُ ثَمَنٌ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَبِيعَهُ فَيَجْعَلُ ثَمَنَهُ رَهْنًا أَوْ يَدَعَهُ بِحَالِهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ الْمُرْتَهِنُ فِي هَذَا كُلِّهِ لِلرَّاهِنِ أَقْلَعُ الضَّرَرَ مِنْ نَخْلِك لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ حَقَّ الرَّاهِنِ بِالْمِلْكِ أَكْثَرُ مِنْ حَقِّ الْمُرْتَهِنِ بِالرَّهْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا رَهَنَهُ أَرْضًا لاَ نَخْلَ فِيهَا فَأَخْرَجَتْ نَخْلاً فَالنَّخْلُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ مَا نَبَتَ فِيهَا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ الْمُرْتَهِنُ لَهُ اقْلَعْ النَّخْلَ، وَمَا خَرَجَ قِيلَ إنْ أَدْخَلَهُ فِي الرَّهْنِ مُتَطَوِّعًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَلْعُهَا بِكُلِّ حَالٍ؛ لِأَنَّهَا تَزِيدُ الْأَرْضَ خَيْرًا فَإِنْ قَالَ‏:‏ لاَ أُدْخِلُهَا فِي الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ قَلْعُهَا حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ فَإِنْ بَلَغَتْ الْأَرْضُ دُونَ النَّخْلِ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ لَمْ يَقْلَعْ النَّخْلَ، وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُ قِيلَ لِرَبِّ النَّخْلِ إمَّا أَنْ تُوَفِّيَهُ حَقَّهُ بِمَا شِئْت مِنْ أَنْ تُدْخِلَ مَعِي الْأَرْضَ النَّخْلَ أَوْ بَعْضَهُ، وَإِمَّا إنْ تَقْلَعَ عَنْهُ النَّخْلَ‏.‏ وَإِنْ فَلَّسَ بِدُيُونِ النَّاسِ، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا بِيعَتْ الْأَرْضُ بِالنَّخْلِ ثُمَّ قَسَمَ الثَّمَنَ عَلَى أَرْضٍ بَيْضَاءَ بِلاَ نَخْلٍ وَعَلَى مَا بَلَغَتْ قِيمَةُ الْأَرْضِ وَالنَّخْلِ فَأَعْطَى مُرْتَهِنَ الْأَرْضِ مَا أَصَابَ الْأَرْضَ وَلِلْغُرَمَاءِ مَا أَصَابَ النَّخْلَ، وَهَكَذَا لَوْ كَانَ هُوَ غَرَسَ النَّخْلَ أَوْ أَحْدَثَ بِنَاءً فِي الْأَرْضِ، وَهَكَذَا جَمِيعُ الْغِرَاسِ وَالْبِنَاءِ وَالزَّرْعِ، وَلَوْ رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلاً ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ قَدْ نَبَتَ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نَخْلٌ لَمْ أَكُنْ رَهَنْتُكَهُ، وَقَالَ‏:‏ الْمُرْتَهِنُ مَا نَبَتَ فِيهِ إلَّا مَا كَانَ فِي الرَّهْنِ أُرِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ بِهِ فَإِنْ قَالُوا قَدْ يَنْبُتُ مِثْلُ هَذَا النَّخْلِ بَعْدَ الرَّهْنِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ مَعَ يَمِينِهِ، وَمَا نَبَتَ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَلاَ يُنْزَعُ حَتَّى يَحِلَّ الْحَقُّ ثُمَّ يَكُونُ الْقَوْلُ فِيهِ كَمَا وَصَفْت فَإِنْ قَالُوا لاَ يَنْبُتُ مِثْلُ هَذَا فِي هَذَا الْوَقْتِ لَمْ يُصَدَّقْ، وَكَانَ دَاخِلاً فِي الرَّهْنِ لاَ يُصَدَّقُ إلَّا عَلَى مَا يَكُونُ مِثْلُهُ‏.‏ وَإِذَا ادَّعَى أَنَّهُ غِرَاسٌ لاَ بِوَاسِطَةِ مَنْبَتٍ سُئِلُوا أَيْضًا فَإِنْ كَانَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْغِرَاسِ مَا قَالَ‏:‏ فَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يُمْكِنُ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ، وَلَوْ كَانَ مَا اخْتَلَفَا فِيهِ بُنْيَانًا فَإِنْ كَانَتْ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يُبْنَى فِي مِثْلِهَا بِحَالٍ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَإِنْ كَانَتْ لَمْ تَأْتِ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ يَبْنِي فِي مِثْلِهَا بِحَالٍ، فَالْبِنَاءُ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَتْ جَاءَتْ عَلَيْهِ مُدَّةٌ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْبِنَاءِ فِيهَا، وَبَعْضٌ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا كَانَ الْبِنَاءُ الَّذِي لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا دَاخِلاً فِي الرَّهْنِ وَالْبِنَاءُ الَّذِي يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ مِثْلَ أَنْ يَكُونَ جِدَارٌ طُولُهُ عَشْرَةُ أَذْرُعٍ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ أَسَاسَهُ، وَقَدْرُ ذِرَاعٍ مِنْهُ، كَانَ قَبْلَ الرَّهْنِ، وَمَا فَوْقَ ذَلِكَ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ بَعْدَ الرَّهْنِ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَهُ شَجَرًا صِغَارًا فَكَبِرَ فَهُوَ رَهْنٌ بِحَالِهِ؛ لِأَنَّهُ رَهَنَهُ بِعَيْنِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ ثَمَرًا صِغَارًا فَبَلَغَ كَانَ رَهْنًا بِحَالِهِ، وَإِذَا رَهَنَهُ أَرْضًا وَنَخْلاً فَانْقَطَعَتْ عَيْنُهَا أَوْ انْهَدَمَتْ وَدُثِّرَ مَشْرَبُهَا لَمْ يُجْبَرْ الرَّاهِنُ أَنْ يُصْلِحَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا، وَلَمْ يَكُنْ لِلْمُرْتَهِنِ أَنْ يُصْلِحَهُ عَلَى أَنْ يَرْجِعَ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، كَانَ الرَّاهِنُ غَائِبًا أَوْ حَاضِرًا، وَإِنْ أَصْلَحَهُ فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ بِإِصْلاَحِهِ، وَإِنْ أَرَادَ إصْلاَحَهُ بِشَيْءٍ يَكُونُ صَلاَحًا مَرَّةً وَفَسَادًا أُخْرَى فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُصْلِحَ بِهِ وَعَلَيْهِ الضَّمَانُ إنْ فَسَدَ بِهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِمَا صَنَعَ مِنْهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَهُ عَبْدًا أَوْ أَمَةً فَغَابَ الرَّاهِنُ أَوْ مَرِضَ فَأَنْفَقَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ مُتَطَوِّعٌ، وَلاَ تَكُونُ لَهُ النَّفَقَةُ حَتَّى يَقْضِيَ بِهَا الْحَاكِمُ عَلَى الْغَائِبِ وَيَجْعَلَهَا دَيْنًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لاَ يَحِلُّ أَنْ تُمَاتَ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَلاَ حَرَجَ فِي إمَاتَةِ مَا لاَ رُوحَ فِيهِ مِنْ أَرْضٍ وَنَبَاتٍ، وَالدَّوَابُّ ذَوَاتُ الْأَرْوَاحِ كُلُّهَا كَالْعَبِيدِ إذَا كَانَتْ مِمَّا تُعْلَفُ فَإِنْ كَانَتْ سَوَائِمَ رُعِيَتْ، وَلَمْ يُؤْمَرْ بِعَلْفِهَا؛ لِأَنَّ السَّوَائِمَ هَكَذَا تُتَّخَذُ‏.‏ وَلَوْ تَسَاوَكَتْ هَزْلاً، وَكَانَ الْحَقُّ حَالًّا فَلِلْمُرْتَهِنِ أَخْذُ الرَّاهِنِ بِبَيْعِهَا، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ مُرُوا الرَّاهِنَ بِذَبْحِهَا فَيَبِيعُ لُحُومَهَا وَجُلُودَهَا لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَدْ يُحْدِثُ لَهَا الْغَيْثَ فَيَحْسُنُ حَالُهَا بِهِ، وَلَوْ أَصَابَهَا مَرَضٌ جَرَبٌ أَوْ غَيْرُهُ لَمْ يُكَلَّفْ عِلاَجَهَا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ قَدْ يَذْهَبُ بِغَيْرِ الْعِلاَجِ، وَلَوْ أَجْدَبَ مَكَانُهَا حَتَّى تَبَيَّنَ ضَرَرُهُ عَلَيْهَا كُلِّفَ رَبُّهَا النُّجْعَةَ بِهَا إذَا كَانَتْ النُّجْعَةُ مَوْجُودَةً لِأَنَّهَا إنَّمَا تُتَّخَذُ عَلَى النُّجْعَةِ، وَلَوْ كَانَ بِمَكَانِهَا عُصُمٌ مِنْ عِضَاهِ تَمَاسَكَ بِهَا، وَإِنْ كَانَتْ النُّجْعَةُ خَيْرًا لَهَا لَمْ يُكَلَّفْ صَاحِبُهَا النُّجْعَةَ بِهَا؛ لِأَنَّهَا لاَ تَهْلِكُ عَلَى الْعُصُمِ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَاشِيَةُ أَوَارِكَ أَوْ خَمِيصَةً أَوْ غَوَادِيَ فَاسْتُؤْنِيَتْ مَكَانَهَا فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنُ الرَّاهِنَ أَنْ يَنْتَجِعَ بِهَا إلَى مَوْضِعٍ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ عَلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْمَرَضَ قَدْ يَكُونُ مِنْ غَيْرِ الْمَرْعَى فَإِذَا كَانَ الرَّعْيُ مَوْجُودًا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إبْدَالُهَا غَيْرَهُ، وَكَذَلِكَ الْمَاءُ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَوْجُودٍ كُلِّفَ النُّجْعَةَ إذَا قَدَرَ عَلَيْهَا إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِأَنْ يَعْلِفَهَا‏.‏ فَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ وَشَرَطَ مَالَهُ رَهْنًا كَانَ الْعَبْدُ رَهْنًا، وَمَا قَبَضَ مِنْ مَالِهِ رَهْنٌ، وَمَا لَمْ يَقْبِضْ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏

ضَمَانُ الرَّهْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ أَخْبَرَنَا ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «لاَ يَغْلُقُ الرَّهْنُ الرَّهْنَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ»‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ أَخْبَرَنَا الثِّقَةُ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ ابْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِثْلَهُ أَوْ مِثْلَ مَعْنَاهُ لاَ يُخَالِفُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبِهَذَا نَأْخُذُ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ جَمِيعَ مَا كَانَ رَهْنًا غَيْرُ مَضْمُونٍ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ قَالَ‏:‏ «الرَّهْنُ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ فَمَنْ كَانَ مِنْهُ شَيْءٌ فَضَمَانُهُ مِنْهُ لاَ مِنْ غَيْرِهِ» ثُمَّ زَادَ فَأَكَّدَ لَهُ فَقَالَ‏:‏ «لَهُ غُنْمُهُ وَعَلَيْهِ غُرْمُهُ» وَغُنْمُهُ سَلاَمَتُهُ وَزِيَادَتُهُ وَغُرْمُهُ عَطَبُهُ وَنَقْصُهُ فَلاَ يَجُوزُ فِيهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ ضَمَانَةً مِنْ مَالِكِهِ لاَ مِنْ مُرْتَهِنِهِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّ رَجُلاً لَوْ ارْتَهَنَ مِنْ رَجُلٍ خَاتَمًا بِدِرْهَمٍ يَسْوَى دِرْهَمًا فَهَلَكَ الْخَاتَمُ فَمَنْ قَالَ‏:‏ يَذْهَبُ دِرْهَمُ الْمُرْتَهِنِ بِالْخَاتَمِ كَانَ قَدْ زَعَمَ أَنَّ غُرْمَهُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ؛ لِأَنَّ دِرْهَمَهُ ذَهَبَ بِهِ، وَكَانَ الرَّاهِنُ بَرِيئًا مِنْ غُرْمِهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَخَذَ ثَمَنَهُ مِنْ الْمُرْتَهِنِ ثُمَّ لَمْ يَغْرَمْ لَهُ شَيْئًا وَأَحَالَ مَا جَاءَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَوْلُهُ- وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ‏:‏ «لاَ يَغْلُقُ الرَّهْنُ» لاَ يَسْتَحِقُّهُ الْمُرْتَهِنُ بِأَنْ يَدَعَ الرَّاهِنُ قَضَاءَ حَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ، وَلاَ يَسْتَحِقُّ مُرْتَهِنُهُ خِدْمَتَهُ، وَلاَ مَنْفَعَةً فِيهِ بِارْتِهَانِهِ إيَّاهُ، وَمَنْفَعَتُهُ لِرَاهِنِهِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ»، وَمَنَافِعُهُ مِنْ غُنْمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ «هُوَ مِنْ صَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ»، وَمَنَافِعُهُ مِنْ غُنْمِهِ، وَإِذَا لَمْ يَخُصَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَهْنًا دُونَ رَهْنٍ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ الرَّهْنِ مَضْمُونٌ، وَمِنْهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ لاَ تَعْدُو أَنْ تَكُونَ أَمَانَةً أَوْ فِي حُكْمِهَا فَمَا ظَهَرَ هَلاَكُهُ وَخَفِيَ مِنْ الْأَمَانَةِ سَوَاءٌ أَوْ مَضْمُونَةٌ فَمَا ظَهَرَ هَلاَكُهُ وَخَفِيَ مِنْ الْمَضْمُونِ سَوَاءٌ‏.‏ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الرَّهْنِ خَبَرٌ يُتْبَعُ مَا جَازَ فِي الْقِيَاسِ إلَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَضْمُونٍ؛ لِأَنَّ صَاحِبَهُ دَفَعَهُ غَيْرَ مَغْلُوبٍ عَلَيْهِ وَسَلَّطَ الْمُرْتَهِنَ عَلَى حَبْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدَيْهِ حَتَّى يُوَفِّيَهُ حَقَّهُ فِيهِ فَلاَ وَجْهَ لاََنْ يَضْمَنَ مِنْ قِبَلِ أَنَّهُ إنَّمَا يَضْمَنُ مَا تَعَدَّى الْحَابِسُ بِحَبْسِهِ مِنْ غَصْبٍ أَوْ بَيْعٍ عَلَيْهِ تَسْلِيمُهُ فَلاَ يُسَلِّمُهُ أَوْ عَارِيَّةٍ مَلَكَ الِانْتِفَاعَ بِهَا دُونَ مَالِكِهَا فَيَضْمَنُهَا كَمَا يَضْمَنُ السَّلَفَ وَالرَّهْنَ لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَعَانِي‏.‏ فَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ شَيْئًا فَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْقَابِضِ فَلاَ ضَمَانَ عَلَيْهِ وَالْحَقُّ ثَابِتٌ كَمَا كَانَ قَبْلَ الرَّهْنِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَضْمَنُ الْمُرْتَهِنُ، وَلاَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا إلَّا فِيمَا يَضْمَنَانِ فِيهِ الْوَدِيعَةَ وَالْأَمَانَاتِ مِنْ التَّعَدِّي فَإِنْ تَعَدَّيَا فِيهِ فَهُمَا ضَامِنَانِ، وَمَا لَمْ يَتَعَدَّيَا فَالرَّهْنُ بِمَنْزِلَةِ الْأَمَانَةِ‏.‏ فَإِذَا دَفَعَ الرَّاهِنُ إلَى الْمُرْتَهِنِ الرَّهْنَ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّاهِنُ أَنْ يَرُدَّهُ إلَيْهِ فَامْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْهِ لَمْ يَضْمَنْ شَيْئًا؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ لَهُ‏.‏ وَإِذَا قَضَى الرَّاهِنُ الْمُرْتَهِنَ الْحَقَّ أَوْ أَحَالَهُ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ وَرَضِيَ الْمُرْتَهِنُ بِالْحَوَالَةِ أَوْ أَبْرَأَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُ بِأَيِّ وَجْهٍ كَانَ مِنْ الْبَرَاءَةِ ثُمَّ سَأَلَهُ الرَّهْنَ فَحَبَسَهُ عَنْهُ، وَهُوَ يُمْكِنُهُ أَنْ يُؤَدِّيَهُ إلَيْهِ فَهَلَكَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ الْمُرْتَهِنِ فَالْمُرْتَهِنُ ضَامِنٌ لِقِيمَةِ الرَّهْنِ بَالِغَةً مَا بَلَغَتْ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّهْنُ كَيْلاً أَوْ وَزْنًا يُوجَدُ مِثْلُهُ فَيَضْمَنُ مِثْلَ مَا هَلَكَ فِي يَدَيْهِ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْحَبْسِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ رَبُّ الرَّهْنِ آجَرَهُ فَسَأَلَ الْمُرْتَهِنَ أَخْذَهُ مِنْ عِنْدِ مَنْ آجَرَهُ وَرَدَّهُ إلَيْهِ فَلَمْ يُمْكِنْهُ ذَلِكَ أَوْ كَانَ الرَّهْنُ غَائِبًا عَنْهُ بِعِلْمِ الرَّاهِنِ فَهَلَكَ فِي الْغَيْبَةِ بَعْدَ بَرَاءَةِ الرَّاهِنِ مِنْ الْحَقِّ، وَقَبْلَ تَمَكُّنِ الْمُرْتَهِنِ أَنْ يَرُدَّهُ لَمْ يَضْمَنْ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ عَبْدًا فَأَبَقَ أَوْ جَمَلاً فَشَرَدَ ثُمَّ بَرِئَ الرَّاهِنُ مِنْ الْحَقِّ لَمْ يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَحْبِسْهُ وَرَدُّهُ يُمْكِنُهُ، وَالصَّحِيحُ مِنْ الرَّهْنِ وَالْفَاسِدُ فِي أَنَّهُ غَيْرُ مَضْمُونٍ سَوَاءٌ كَمَا تَكُونُ الْمُضَارَبَةُ الصَّحِيحَةُ وَالْفَاسِدَةُ فِي أَنَّهَا غَيْرُ مَضْمُونَةٍ سَوَاءٌ، وَلَوْ شَرَطَ الرَّاهِنُ عَلَى الْمُرْتَهِنِ أَنَّهُ ضَامِنٌ لِلرَّهْنِ إنْ هَلَكَ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً، كَمَا لَوْ قَارَضَهُ أَوْ أَوْدَعَهُ فَشَرَطَ أَنَّهُ ضَامِنٌ كَانَ الشَّرْطُ بَاطِلاً‏.‏ وَإِذَا دَفَعَ الرَّاهِنُ الرَّهْنَ عَلَى أَنَّ الْمُرْتَهِنَ ضَامِنٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ، وَهُوَ غَيْرُ مَضْمُونٍ إنْ هَلَكَ، وَكَذَلِكَ إذَا ضَارَبَهُ عَلَى أَنَّ الْمُضَارِبَ ضَامِنٌ فَالْمُضَارَبَةُ فَاسِدَةٌ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ وَشَرَطَ لَهُ إنْ لَمْ يَأْتِهِ بِالْحَقِّ إلَى كَذَا فَالرَّهْنُ لَهُ بَيْعٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ وَالرَّهْنُ لِصَاحِبِهِ الَّذِي رَهَنَهُ، وَكَذَلِكَ إنْ رَهَنَهُ دَارًا بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ أَجْنَبِيٌّ دَارِهِ إنْ عَجَزَتْ دَارُ فُلاَنٍ عَنْ حَقِّهِ أَوْ حَدَثَ فِيهَا حَدَثٌ يُنْقِصُ حَقَّهُ؛ لِأَنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ مَرَّةً رَهْنٌ، وَمَرَّةً غَيْرُ رَهْنٍ، وَمَرْهُونَةٌ بِمَا لاَ يُعْرَفُ وَيَفْسُدُ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ مَعَهُ شَيْءٌ فَاسِدٌ‏.‏ وَلَوْ كَانَ رَهَنَهُ دَارِهِ بِأَلْفٍ عَلَى أَنْ يَضْمَنَ لَهُ الْمُرْتَهِنُ دَارِهِ إنْ حَدَثَ فِيهَا حَدَثٌ فَالرَّهْنُ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَرْضَ بِالرَّهْنِ إلَّا عَلَى أَنْ يَكُونَ لَهُ مَضْمُونًا، وَإِنْ هَلَكَتْ الدَّارُ لَمْ يَضْمَنْ الْمُرْتَهِنُ شَيْئًا‏.‏

التَّعَدِّي فِي الرَّهْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا دَفَعَ الرَّجُلُ إلَى الرَّجُلِ مَتَاعًا لَهُ رَهْنًا فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهُ مِنْ الْبَلَدِ الَّذِي ارْتَهَنَهُ بِهِ، إلَّا بِإِذْنِ سَيِّدِهِ فَإِنْ أَخْرَجَهُ بِغَيْرِ إذْنِ سَيِّدِ الْمَتَاعِ فَهَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ يَوْمَ أَخْرَجَهُ؛ لِأَنَّهُ يَوْمَئِذٍ تَعَدَّى فِيهِ فَإِذَا أُخِذَتْ قِيمَتُهُ مِنْهُ خُيِّرَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ أَنْ تَكُونَ قِصَاصًا مِنْ حَقِّهِ عَلَيْهِ أَوْ تَكُونَ مَرْهُونَةً حَتَّى يَحِلَّ حَقُّ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَلَوْ أَخْرَجَهُ مِنْ الْبَلَدِ ثُمَّ رَدَّهُ إلَى صَاحِبِهِ، وَلَمْ يُفْسَخْ الرَّهْنُ فِيهِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ، وَكَانَ لَهُ قَبْضُهُ بِالرَّهْنِ فَإِنْ قَالَ صَاحِبُ الْمَتَاعِ‏:‏ دَفَعْته إلَيْك وَأَنْتَ عِنْدِي أَمِينٌ فَتَغَيَّرَتْ أَمَانَتُك بِتَعَدِّيك بِإِخْرَاجِك إيَّاهُ فَأَنَا مُخْرِجُهُ مِنْ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ الرَّهْنِ وَقِيلَ إنْ شِئْت أَنْ تُخْرِجَهُ إلَى عَدْلٍ تَجْتَمِعُ أَنْتَ، وَهُوَ عَلَى الرِّضَا بِهِ أَخْرَجْنَاهُ إلَّا أَنْ يَشَاءَ أَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدَيْهِ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ لَمْ يَتَعَدَّ بِإِخْرَاجِهِ فَتَغَيَّرَتْ حَالُهُ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ إذْ دَفَعَ الرَّهْنَ إلَيْهِ إمَّا بِسُوءِ حَالٍ فِي دِينِهِ أَوْ إفْلاَسٍ ظَهَرَ مِنْهُ‏.‏ وَلَوْ امْتَنَعَ الْمُرْتَهِنُ فِي هَذِهِ الْحَالاَتِ مِنْ أَنْ يَرْضَى بِعَدْلٍ يَقُومُ عَلَى يَدَيْهِ جُبِرَ عَلَى ذَلِكَ؛ لِتَغَيُّرِهِ عَنْ حَالِهِ حِينَ دُفِعَ إلَيْهِ إذَا أَبَى الرَّاهِنُ أَنْ يُقِرَّهُ فِي يَدَيْهِ‏.‏ وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ الْمُرْتَهِنُ عَنْ حَالِهِ بِالتَّعَدِّي، وَلاَ غَيْرِهِ مِمَّا يُغَيِّرُ الْأَمَانَةَ وَسَأَلَ الرَّاهِنَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ يَدَيْهِ الرَّهْنَ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَهَكَذَا الرَّجُلُ يُوضَعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَيَتَغَيَّرُ حَالُهُ عَنْ الْأَمَانَةِ فَأَيُّهُمَا دَعَا إلَى إخْرَاجِ الرَّهْنِ مِنْ يَدَيْهِ كَانَ لَهُ‏.‏ الرَّاهِنُ؛ لِأَنَّهُ مَالُهُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ؛ لِأَنَّهُ مَرْهُونٌ بِمَالِهِ، وَلَوْ لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ فَدَعَا أَحَدُهُمَا إلَى إخْرَاجِهِ مِنْ يَدَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ إلَّا بِاجْتِمَاعِهِمَا عَلَيْهِ‏.‏ وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى إخْرَاجِهِ مِنْ يَدَيْهِ فَأَخْرَجَاهُ ثُمَّ أَرَادَ رَبُّ الرَّهْنِ فَسْخَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ فَسْخُهُ أَوْ أَرَادَ الْمُرْتَهِنُ قَبْضَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَإِنْ كَانَ أَمِينًا؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ لَمْ يَرْضَ أَمَانَتَهُ، وَإِذَا دَعَوْا إلَى رَجُلٍ بِعَيْنِهِ فَتَرَاضَيَا بِهِ أَوْ اثْنَيْنِ أَوْ امْرَأَةٍ فَلَهُمَا وَضْعُهُ عَلَى يَدَيْ مَنْ تَرَاضَيَا بِهِ، وَإِنْ اخْتَلَفَا فِيمَنْ يَدْعُوَانِ إلَيْهِ قِيلَ لَهُمَا اجْتَمِعَا فَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ اخْتَارَ الْحَاكِمُ الْأَفْضَلَ مِنْ كُلِّ مَنْ دَعَا وَاحِدٌ مِنْهُمَا إلَيْهِ إنْ كَانَ ثِقَةً فَدَفَعَهُ إلَيْهِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَاحِدٌ مِمَّنْ دَعَوْا إلَيْهِ ثِقَةً قِيلَ اُدْعُوَا إلَى غَيْرِهِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلاَ اخْتَارَ الْحَاكِمُ لَهُ ثِقَةً فَدَفَعَهُ إلَيْهِ‏.‏ وَإِذَا أَرَادَ الْعَدْلُ الَّذِي عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ الَّذِي هُوَ غَيْرُ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ رَدَّهُ بِلاَ عِلَّةٍ أَوْ لِعِلَّةٍ وَالْمُرْتَهِنُ وَالرَّاهِنُ حَاضِرَانِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَلاَ يُجْبَرُ عَلَى حَبْسِهِ، وَإِنْ كَانَا غَائِبَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدَيْ نَفْسِهِ فَإِنْ فَعَلَ بِغَيْرِ أَمْرِ الْحَاكِمِ فَهَلَكَ ضَمِنَ، وَإِنْ جَاءَ الْحَاكِمُ فَإِنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ أَخْرَجَهُ مِنْ يَدَيْهِ وَذَلِكَ أَنْ يَبْدُوَ لَهُ سَفَرٌ أَوْ يَحْدُثَ لَهُ- وَإِنْ كَانَ مُقِيمًا- شُغْلٌ أَوْ عِلَّةٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ أَمَرَهُ بِحَبْسِهِ إنْ كَانَا قَرِيبًا حَتَّى يَقْدُمَا أَوْ يُوَكِّلاَ فَإِنْ كَانَا بَعِيدًا لَمْ أَرَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْطَرَّهُ إلَى حَبْسِهِ‏.‏ وَإِنَّمَا هِيَ وَكَالَةٌ وُكِّلَ بِهَا بِلاَ مَنْفَعَةٍ لَهُ وَيَسْأَلُهُ ذَلِكَ فَإِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ بِحَبْسِهِ، وَإِلَّا أَخْرَجَهُ إلَى عَدْلٍ وَغَيْرِهِ، وَتَعَدِّي الْعَدْلِ الْمَوْضُوعِ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ فِي الرَّهْنِ، وَتَعَدِّي الْمُرْتَهِنِ سَوَاءٌ يَضْمَنُ مِمَّا يَضْمَنُ مِنْهُ الْمُرْتَهِنُ إذَا تَعَدَّى فَإِذَا تَعَدَّى فَأَخْرَجَ الرَّهْنَ فَتَلِفَ ضَمِنَ، وَإِنْ تَعَدَّى الْمُرْتَهِنُ وَالرَّهْنُ مَوْضُوعٌ عَلَى يَدَيْ الْعَدْلِ فَأَخْرَجَ الرَّهْنَ ضَمِنَ حَتَّى يَرُدَّهُ عَلَى يَدَيْ الْعَدْلِ فَإِذَا رَدَّهُ عَلَى يَدَيْ الْعَدْلِ بَرِئَ مِنْ الضَّمَانِ كَمَا يَبْرَأُ مِنْهُ لَوْ رَدَّهُ إلَى الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ وَكِيلُ الرَّاهِنِ‏.‏ وَإِذَا أَعَارَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ فَهَلَكَ فَهُوَ ضَامِنٌ؛ لِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ وَالْقَوْلُ فِي قِيمَتِهِ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ فَإِنْ قَالَ‏:‏ كَانَ الرَّهْنُ لُؤْلُؤَةً صَافِيَةً وَزْنُهَا كَذَا قِيمَتُهَا كَذَا، قُوِّمَتْ بِأَقَلِّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ تِلْكَ الصِّفَةُ ثَمَنًا وَأَرْدَئِهِ فَإِنْ كَانَ مَا ادَّعَى مِثْلَهُ أَوْ أَكْثَرَ قُبِلَ قَوْلُهُ، وَإِنْ ادَّعَى مَا لاَ يَكُونُ مِثْلُهُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ وَقُوِّمَتْ تِلْكَ الصِّفَةُ عَلَى أَقَلِّ مَا تَقَعُ عَلَيْهِ ثَمَنًا وَأَرْدَئِهِ يَغْرَمُهُ مَعَ يَمِينِهِ‏.‏ وَهَكَذَا إنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالرَّهْنِ إلَى غَيْرِهِ كَانَ لِأَيِّهِمَا شَاءَ إخْرَاجُهُ؛ لِأَنَّهُمَا رَضِيَا أَمَانَتَهُ، وَلَمْ يَجْتَمِعَا عَلَى الرِّضَا بِأَمَانَةِ غَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ مَنْ أَسْنَدَ ذَلِكَ إلَيْهِ إذَا غَابَ أَوْ عِنْدَ مَوْتِهِ ثِقَةً وَيَجْتَمِعَانِ عَلَى مَنْ تَرَاضَيَا أَوْ يَنْصِبَ لَهُمَا الْحَاكِمُ ثِقَةً كَمَا وَصَفْت، وَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَهِنُ فَإِنْ كَانَ وَرَثَتُهُ بَالِغِينَ قَامُوا مَقَامَهُ، وَإِنْ كَانَ فِيهِمْ صَغِيرٌ قَامَ الْوَصِيُّ مَقَامَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَصِيٌّ ثِقَةٌ قَامَ الْحَاكِمُ مَقَامَهُ فِي أَنْ يَصِيرَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ ثِقَةٍ‏.‏

بَيْعُ الرَّهْنِ، وَمَنْ يَكُونُ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْهِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا ارْتَهَنَ الرَّجُلُ مِنْ الرَّجُلِ الْعَبْدَ وَشَرَطَ عَلَيْهِ أَنَّ لَهُ إذَا حَلَّ حَقُّهُ أَنْ يَبِيعَهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ بَيْعُهُ إلَّا بِأَنْ يَحْضُرَ رَبُّ الْعَبْدِ أَوْ يُوَكَّلَ مَعَهُ، وَلاَ يَكُونُ وَكِيلاً بِالْبَيْعِ لِنَفْسِهِ فَإِنْ بَاعَ لِنَفْسِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ بِكُلِّ حَالٍ وَيَأْتِي الْحَاكِمُ حَتَّى يَأْمُرَ مَنْ يَبِيعُ وَيُحْضِرُهُ وَعَلَى الْحَاكِمِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ أَنْ يَأْمُرَ رَبَّ الْعَبْدِ أَنْ يَبِيعَ فَإِنْ امْتَنَعَ أَمَرَ مَنْ يَبِيعُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ الْحَقُّ إلَى أَجَلٍ فَتَعَدَّى الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنَ فَبَاعَهُ قَبْلَ مَحِلِّ الْحَقِّ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ، وَهُوَ ضَامِنٌ لِقِيمَتِهِ إنْ فَاتَ، وَلاَ يَكُونُ الدَّيْنُ حَالًّا كَانَ الْبَائِعُ الْمُرْتَهِنَ أَوْ عَدْلاً الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْهِ، وَلاَ يَحِلُّ الْحَقُّ الْمُؤَجَّلُ بِتَعَدِّي بَائِعٍ لَهُ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ تَعَدَّى بِأَمْرِ الرَّاهِنِ‏.‏ وَلَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ عَدْلٍ لاَ حَقَّ لَهُ فِي الْمَالِ وَوَكَّلَهُ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ بِبَيْعِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يَبِيعَهُ مَا لَمْ يَفْسَخَا، وَكَالَتَهُ وَأَيُّهُمَا فَسَخَ وَكَالَتَهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ الْبَيْعُ بَعْدَ فَسْخِ الْوَكَالَةِ وَبِبَيْعِ الْحَاكِمِ عَلَى الرَّاهِنِ إذَا سَأَلَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنَ، وَإِذَا بَاعَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنَ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ وَالْحَاكِمِ بِالْبَيْعِ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ أَهْلُ الْبَصَرِ بِهِ فَالْبَيْعُ مَرْدُودٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ إنْ بَاعَ الْحَاكِمُ بِذَلِكَ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ، وَإِذَا بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ بِإِذْنِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ بِالْبَيْعِ فَالْبَيْعُ لاَزِمٌ، وَإِنْ وَجَدَ أَكْثَرَ مِمَّا بَاعَ بِهِ، وَلَوْ بَاعَ بِشَيْءٍ يَجُوزُ فَلَمْ يُفَارِقْ بَيْعَهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ مَنْ يَزِيدُهُ قَبْلَ الزِّيَادَةِ وَرَدِّ الْبَيْعِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ فَبَيْعُهُ مَرْدُودٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَاعَ لَهُ بِشَيْءٍ قَدْ وَجَدَ أَكْثَرَ مِنْهُ، وَلَهُ الرَّدُّ‏.‏ وَإِذَا حَلَّ الْحَقُّ وَسَأَلَ الرَّاهِنُ بَيْعَ الرَّهْنِ وَأَبَى ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ وَأَبَى الرَّاهِنُ أَمَرَهُمَا الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ فَإِنْ امْتَنَعَا أَمَرَ عَدْلاً فَبَاعَ، وَإِذَا أَمَرَ الْقَاضِي عَدْلاً فَبَاعَ أَوْ كَانَ الرَّهْنُ عَلَى يَدَيْ غَيْرِ الْمُرْتَهِنِ فَبَاعَ بِأَمْرِ الرَّاهِنِ وَالْمُرْتَهِنِ فَهَلَكَ الثَّمَنُ لَمْ يَضْمَنْ الْبَائِعُ شَيْئًا مِنْ الثَّمَنِ الَّذِي هَلَكَ فِي يَدَيْهِ، وَإِنْ سَأَلَ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ الْبَائِعَ أَجْرَ مِثْلِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُتَطَوِّعًا بِذَلِكَ كَانَ مِمَّنْ يَتَطَوَّعُ مِثْلُهُ أَوْ لاَ يَتَطَوَّعُ، وَلاَ يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ إلَّا بِشَرْطٍ، وَلَيْسَ لِلْحَاكِمِ إنْ كَانَ يَجِدُ عَدْلاً يَبِيعُ إذَا أَمَرَهُ مُتَطَوِّعًا أَنْ يَجْعَلَ لِغَيْرِهِ أَجْرًا، وَإِنْ كَانَ عَدْلاً فِي بَيْعِهِ وَيَدْعُو الرَّاهِنَ وَالْمُرْتَهِنَ بِعَدْلٍ وَأَيُّهُمَا جَاءَهُ بِعَدْلٍ يَتَطَوَّعُ بِبَيْعِ الرَّهْنِ أَمَرَهُ بِبَيْعِهِ وَطَرَحَ الْمُؤْنَةَ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْهُ اسْتَأْجَرَ عَلَى الرَّهْنِ مَنْ يَبِيعُهُ وَجَعَلَ أَجْرَهُ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ صَلاَحِ الرَّهْنِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ بِهِ الرَّاهِنُ أَوْ الْمُرْتَهِنُ‏.‏ وَإِذَا تَعَدَّى الْبَائِعُ بِحَبْسِ الثَّمَنِ بَعْدَ قَبْضِهِ إيَّاهُ أَوْ بَاعَهُ بِدَيْنٍ فَهَرَبَ الْمُشْتَرِي أَوْ مَا أَشْبَهَ هَذَا ضَمِنَ قِيمَةَ الرَّهْنِ، قَالَ أَبُو يَعْقُوبَ وَأَبُو مُحَمَّدٍ‏:‏ عَلَيْهِ فِي حَبْسِ الثَّمَنِ مِثْلُهُ وَفِي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ قِيمَتُهُ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَإِذَا بِيعَ الرَّهْنُ فَالْمُرْتَهِنُ أَوْلَى بِثَمَنِهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ حَقَّهُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ وَفَاءُ حَقِّهِ حَاصَّ غُرَمَاءَ الرَّاهِنِ بِمَا بَقِيَ مِنْ مَالِهِ غَيْرَ مَرْهُونٍ، وَإِذَا أَرَادَ أَنْ يُحَاصُّهُمْ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ رَهْنُهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ وَوَقَفَ مَالُ غَرِيمِهِ حَتَّى يُبَاعَ رَهْنُهُ ثُمَّ يُحَاصُّهُمْ بِمَا فَضَلَ عَنْ رَهْنِهِ، وَإِنْ هَلَكَ رَهْنُهُ قَبْلَ أَنْ يُبَاعَ أَوْ ثَمَنُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْبِضَهُ حَاصَّهُمْ بِجَمِيعِ رَهْنِهِ‏.‏ وَإِذَا بِيعَ الرَّهْنُ لِرَجُلٍ فَهَلَكَ ثَمَنُهُ فَثَمَنُهُ مِنْ الرَّاهِنِ حَتَّى يَقْبِضَهُ الْمُرْتَهِنُ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ بِيعَ مَا لِغُرَمَائِهِ بِطَلَبِهِمْ بَيْعَهُ فَوَقَفَ؛ لِيَحْسِبَ بَيْنَهُمْ فَهَلَكَ هَلَكَ مِنْ مَالِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ دُونَ غُرَمَائِهِ، وَهُوَ مِنْ مَالِ الْمَبِيعِ عَلَيْهِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ غُرَمَاؤُهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ دَارًا بِأَلْفٍ فَمَاتَ الرَّاهِنُ فَطَلَبَ الْمُرْتَهِنُ بَيْعَهَا فَأَمَرَ الْحَاكِمُ بِبَيْعِهَا فَبِيعَتْ مِنْ رَجُلٍ بِأَلْفٍ فَهَلَكَتْ الْأَلْفُ فِي يَدَيْ الْعَدْلِ الَّذِي أَمَرَهُ الْحَاكِمُ بِالْبَيْعِ وَجَاءَ رَجُلٌ فَاسْتَحَقَّ الدَّارَ عَلَى الْمَيِّتِ لاَ يَضْمَنُ الْحَاكِمُ، وَلاَ الْعَدْلُ مِنْ الْأَلْفِ الَّتِي قَبَضَ الْعَدْلُ شَيْئًا بِهَلاَكِهَا فِي يَدِهِ؛ لِأَنَّهُ أَمِينٌ وَأَخَذَ الْمُسْتَحِقُّ الدَّارَ، وَكَانَتْ أَلْفُ الْمُرْتَهِنِ فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ مَتَى وَجَدَ مَالاً أَخَذَهَا، وَكَذَلِكَ أَلْفُ الْمُشْتَرِي فِي ذِمَّةِ الرَّاهِنِ؛ لِأَنَّهَا أُخِذَتْ بِثَمَنِ مَالٍ لَهُ فَلَمْ يَسْلَمْ لَهُ الْمَالَ فَمَتَى وَجَدَ لَهُ مَالاً أَخَذَهَا وَعُهْدَتُهُ عَلَى الْمَيِّتِ الَّذِي بِيعَتْ عَلَيْهِ الدَّارُ وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَبِيعَةُ عَلَيْهِ الدَّارُ لاَ يَجِدُ شَيْئًا غَيْرَ الدَّارِ أَوْ مُوسِرًا فِي أَنَّ الْعُهْدَةَ عَلَيْهِ كَهِيَ عَلَيْهِ لَوْ بَاعَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَيْسَ الَّذِي بِيعَ لَهُ الرَّهْنُ بِأَمْرِهِ مِنْ الْعُهْدَةِ بِسَبِيلٍ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَبَيْعُ الرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ وَالْحَيَوَانِ وَغَيْرِهَا مِنْ الرُّهُونِ سَوَاءٌ إذَا سَلَّطَ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ الْعَدْلَ الَّذِي لاَ حَقَّ لَهُ فِي الرَّهْنِ عَلَى بَيْعِهَا بَاعَ بِغَيْرِ أَمْرِ السُّلْطَانِ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَيَتَأَنَّى بِالرِّبَاعِ وَالْأَرْضِينَ لِلزِّيَادَةِ أَكْثَرَ مِنْ تَأَنِّيهِ بِغَيْرِهَا فَإِنْ لَمْ يَتَأَنَّ وَبَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ جَازَ بَيْعُهُ، وَإِنْ بَاعَ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ، وَكَذَلِكَ لَوْ تَأَنَّى فَبَاعَ بِمَا لاَ يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ لَمْ يَجُزْ، وَإِنْ بَاعَ بِمَا يَتَغَابَنُ النَّاسُ بِمِثْلِهِ جَازَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ تُمْكِنُهُ الْفُرْصَةُ فِي عَجَلَتِهِ الْبَيْعَ، وَقَدْ يَتَأَنَّى فَيُحَابِي فِي الْبَيْعِ وَالتَّأَنِّي بِكُلِّ حَالٍ أَحَبُّ إلَيَّ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِيعَ غَيْرِ الْحَيَوَانِ وَغَيْرِ مَا يَفْسُدُ‏.‏ فَأَمَّا الْحَيَوَانُ وَرُطَبُ الطَّعَامِ فَلاَ يَتَأَنَّى بِهِ، وَإِذَا بَاعَ الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدَيْهِ الرَّهْنُ الرَّهْنَ، وَقَالَ‏:‏ قَدْ دَفَعْت ثَمَنَهُ إلَى الْمُرْتَهِنِ وَأَنْكَرَ ذَلِكَ الْمُرْتَهِنُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الْمُرْتَهِنِ وَعَلَى الْبَائِعِ الْبَيِّنَةُ بِالدَّفْعِ، وَلَوْ بَاعَهُ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هَلَكَ الثَّمَنُ مِنْ يَدَيْ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ فِيمَا لاَ يُدَّعَى فِيهِ الدَّفْعُ، وَلَوْ قِيلَ لَهُ بِعْ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُ بِعْ بِدَيْنٍ فَبَاعَ بِدَيْنٍ فَهَلَكَ الدَّيْنُ كَانَ ضَامِنًا؛ لِأَنَّهُ تَعَدَّى فِي الْبَيْعِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ بِعْ بِدَرَاهِمَ وَالْحَقُّ دَرَاهِمُ فَبَاعَ بِدَنَانِيرَ أَوْ كَانَ الْحَقُّ دَنَانِيرَ فَقِيلَ لَهُ بِعْ بِدَنَانِيرَ فَبَاعَ بِدَرَاهِمَ فَهَلَكَ الثَّمَنُ كَانَ لَهُ ضَامِنًا، وَإِنْ لَمْ يَهْلِكْ فَالْبَيْعُ فِي هَذَا كُلِّهِ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ بَيْعُ تَعَدٍّ، وَلاَ يُمْلَكُ مَالُ رَجُلٍ بِخِلاَفِهِ‏.‏ وَلَوْ اخْتَلَفَ عَلَيْهِ الرَّاهِنُ وَالْمُرْتَهِنُ فَقَالَ الرَّاهِنُ بِعْ بِدَنَانِيرَ، وَقَالَ‏:‏ الْمُرْتَهِنُ بِعْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَبِيعَ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لِحَقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الرَّهْنِ وَحَقِّ الرَّاهِنِ فِي رَقَبَتِهِ وَثَمَنِهِ وَجَاءَ الْحَاكِمُ حَتَّى يَأْمُرَهُ أَنْ يَبِيعَ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَصْرِفَهُ فِيمَا الرَّهْنُ فِيهِ إنْ كَانَ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ، وَلَوْ بَاعَ بَعْدَ اخْتِلاَفِهِمَا بِمَا الرَّهْنُ بِهِ كَانَ ضَامِنًا، وَكَانَ الْبَيْعُ مَرْدُودًا؛ لِأَنَّ لِكِلَيْهِمَا حَقًّا فِي الرَّهْنِ‏.‏ وَلَوْ بَاعَ عَلَى الْأَمْرِ الْأَوَّلِ، وَلَمْ يَخْتَلِفَا بَعْدُ عَلَيْهِ بِمَا الْحَقُّ بِهِ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا‏.‏ وَلَوْ بَعَثَ بِالرَّهْنِ إلَى بَلَدٍ فَبِيعَ فِيهِ وَاسْتَوْفَى الثَّمَنَ كَانَ الْبَيْعُ جَائِزًا، وَكَانَ ضَامِنًا إنْ هَلَكَ ثَمَنُهُ، وَإِنَّمَا أَجَزْت الْبَيْعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَدَّ فِي الْبَيْعِ إنَّمَا تَعَدَّى فِي إخْرَاجِ الْمَبِيعِ فَكَانَ كَمَنْ بَاعَ عَبْدًا فَأَخْرَجَ ثَمَنَهُ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ بِإِذْنِ سَيِّدِهِ وَيَضْمَنُ ثَمَنَهُ بِإِخْرَاجِهِ بِلاَ أَمْرِ سَيِّدِهِ‏.‏

رَهْنُ الرَّجُلَيْنِ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلاَنِ الْعَبْدَ رَجُلاً، وَقَبَضَهُ الْمُرْتَهِنُ مِنْهُمَا فَالرَّهْنُ جَائِزٌ فَإِنْ رَهَنَاهُ مَعًا ثُمَّ أَقْبَضَهُ أَحَدُهُمَا الْعَبْدَ، وَلَمْ يُقْبِضْهُ الْآخَرُ فَالنِّصْفُ الْمَقْبُوضُ مَرْهُونٌ وَالنِّصْفُ غَيْرُ الْمَقْبُوضِ غَيْرُ مَرْهُونٍ حَتَّى يُقْبَضَ فَإِذَا قُبِضَ كَانَ مَرْهُونًا، وَإِذَا أَبْرَأَ الْمُرْتَهِنُ أَخْذَ الرَّاهِنَيْنِ مِنْ حَقِّهِ أَوْ اقْتَضَاهُ مِنْهُ فَالنِّصْفُ الَّذِي يَمْلِكُهُ الْبَرِيءُ مِنْ الْحَقِّ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَالنِّصْفُ الْبَاقِي مَرْهُونٌ حَتَّى يَبْرَأَ رَاهِنُهُ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ، وَهَكَذَا كُلُّ مَا رَهَنَاهُ مَعًا عَبْدًا كَانَ أَوْ عَبِيدًا أَوْ مَتَاعًا أَوْ غَيْرَهُ‏.‏ وَإِذَا رَهَنَاهُ عَبْدَيْنِ رَهْنًا وَاحِدًا فَهُوَ كَالْعَبْدِ الْوَاحِدِ فَإِنْ تَرَاضَى الرَّاهِنَانِ بِأَنْ يَصِيرَ أَحَدُ الْعَبْدَيْنِ رَهْنًا لِأَحَدِهِمَا وَالْآخَرُ لِلْآخَرِ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا وَسَأَلَ أَنْ يَفُكَّ لَهُ الْعَبْدَ الَّذِي صَارَ إلَيْهِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَنِصْفُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْعَبْدَيْنِ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَالنِّصْفُ الْآخَرُ فِي الرَّهْنِ؛ لِأَنَّهُمَا دَفَعَا الرَّهْنَ صَفْقَةً فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الرَّهْنَيْنِ مَرْهُونُ النِّصْفِ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَلَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَقْتَسِمَاهُ عَلَيْهِ، وَلاَ يُخْرِجَانِ حَقَّهُ مِنْ نِصْفِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى غَيْرِهِ وَحَظُّ الْقَاضِي مِنْهُمَا الرَّهْنَ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏ فَلَوْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا رَهَنَهُ أَحَدَ الْعَبْدَيْنِ عَلَى الِانْفِرَادِ ثُمَّ تَقَارَّا فِي الْعَبْدَيْنِ فَصَارَ الَّذِي رَهَنَهُ عَبْدُ اللَّهِ مِلْكًا لِزَيْدٍ وَاَلَّذِي رَهَنَهُ زَيْدٌ مِلْكًا لِعَبْدِ اللَّهِ فَقَضَاهُ عَبْدُ اللَّهِ وَسَأَلَهُ فَكَّ عَبْدِهِ الَّذِي رَهَنَهُ زَيْدٌ؛ لِأَنَّهُ صَارَ لَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ وَعَبْدُ عَبْدِ اللَّهِ الَّذِي رَهَنَهُ فَصَارَ لِزَيْدٍ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ وَعَبْدُ زَيْدٍ الَّذِي صَارَ لَهُ مَرْهُونٌ بِحَالِهِ حَتَّى يَفْتَكَّهُ زَيْدٌ؛ لِأَنَّ زَيْدًا رَهَنَهُ، وَهُوَ يَمْلِكُهُ فَلاَ يَخْرُجُ مِنْ رَهْنِ زَيْدٍ حَتَّى يَفْتَكَّهُ زَيْدٌ أَوْ يَبْرَأَ زَيْدٌ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ، وَلَوْ كَانَ عَبْدَانِ بَيْنَ رَجُلَيْنِ فَرَهَنَاهُمَا رَجُلاً فَقَالاَ مُبَارَكٌ رَهْنٌ عَنْ مُحَمَّدٍ، وَمَيْمُونٌ رَهْنٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ كَانَا كَمَا قَالَ‏:‏ وَأَيُّهُمَا أَدَّى فُكَّ لَهُ الْعَبْدُ الَّذِي رَهَنَ بِعَيْنِهِ، وَلَمْ يُفَكَّ لَهُ شَيْءٌ مِنْ غَيْرِهِ‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَزَادَ فِيهَا شَرْطًا أَنَّ أَيَّنَا أَدَّى إلَيْك قَبْلَ صَاحِبِهِ فَلَهُ أَنْ يَفُكَّ نِصْفَ الْعَبْدَيْنِ أَوْ لَهُ أَنْ يَفُكَّ أَيَّ الْعَبْدَيْنِ شَاءَ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَمْ يَجْعَلْ الْحَقَّ مَحْضًا فِي رَهْنِهِ دُونَ رَهْنِ صَاحِبِهِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي شَرْطِ صَاحِبِهِ مَرْهُونٌ مَرَّةً عَلَى الْكَمَالِ وَخَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ مِنْ رَاهِنِهِ مِنْ جَمِيعِ الْحَقِّ، وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا وَشَرَطَ لَهُ الرَّاهِنَانِ أَنَّهُ إذَا قَضَى أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ فَلاَ يُفَكُّ لَهُ رَهْنُهُ حَتَّى يَقْضِيَ الْآخَرُ مَا عَلَيْهِ كَانَ الشَّرْطُ فِيهِ بَاطِلاً؛ لِأَنَّ الْحَقَّ أَنْ يَكُونَ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ رَهْنٌ غَيْرُهُ، وَأَنْ لاَ يَكُونَ رَهْنًا إلَّا بِأَمْرٍ مَعْلُومٍ لاَ أَنْ يَكُونَ مَرْهُونًا بِأَمْرٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ وَشَرَطَ فِيهِ مَرَّةً أَنَّهُ رَهْنٌ بِشَيْءٍ غَيْرِ مَعْلُومٍ عَلَى الْمُخَاطَرَةِ فَيَكُونُ مَرَّةً خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ إذَا قَضَيَا مَعًا وَغَيْرَ خَارِجٍ مِنْ الرَّهْنِ إذَا لَمْ يَقْضِ أَحَدُهُمَا، وَلاَ يَدْرِي مَا يَبْقَى عَلَى الْآخَرِ، وَقَدْ كَانَا رَهْنَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ‏.‏ وَلَوْ كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَتَشَارَطُوا أَنَّ أَحَدَهُمَا إذَا أَدَّى مَا عَلَيْهِ دُونَ مَا عَلَى صَاحِبِهِ خَرَجَ الرَّهْنَانِ مَعًا، وَكَانَ مَا يَبْقَى مِنْ الْمَالِ بِغَيْرِ رَهْنٍ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا؛ لِأَنَّهُمَا فِي هَذَا الشَّرْطِ رَهْنٌ مَرَّةً وَأَحَدُهُمَا خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ أُخْرَى بِغَيْرِ عَيْنِهِ؛ لِأَنِّي لاَ أَدْرِي أَيُّهُمَا يُؤَدِّي وَعَلَى أَيِّهِمَا يَبْقَى الدَّيْنُ، وَلَوْ رَهَنَ رَجُلٌ رَجُلاً عَبْدًا إلَى سَنَةٍ عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالْحَقِّ إلَى سَنَةٍ، وَإِلَّا فَالْعَبْدُ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ كَانَ الرَّهْنُ فَاسِدًا، وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ عَبْدًا عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِحَقِّهِ عِنْدَ مَحِلِّهِ، وَإِلَّا خَرَجَ الْعَبْدُ مِنْ الرَّهْنِ وَصَارَتْ دَارُهُ رَهْنًا لَمْ تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا، وَكَانَ الرَّهْنُ فِي الْعَبْدِ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي الرَّهْنِ مَرَّةً وَخَارِجٌ مِنْهُ أُخْرَى بِغَيْرِ بَرَاءَةٍ مِنْ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ، وَلَوْ رَهَنَهُ رَهْنًا عَلَى أَنَّهُ إنْ جَاءَهُ بِالْحَقِّ، وَإِلَّا فَالرَّهْنُ لَهُ بَيْعٌ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ شَرَطَ أَنَّهُ رَهْنٌ فِي حَالٍ وَبَيْعٌ فِي أُخْرَى‏.‏

رَهْنُ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ مِنْ رَجُلَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الْعَبْدَ مِنْ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ فَنِصْفُهُ مَرْهُونٌ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِخَمْسِينَ فَإِذَا دَفَعَ إلَى أَحَدِهِمَا خَمْسِينَ فَهِيَ لَهُ دُونَ الْمُرْتَهِنِ مَعَهُ وَنِصْفُ الْعَبْدِ الَّذِي كَانَ مَرْهُونًا عَنْ الْقَاضِي مِنْهُمَا خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ، وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْرَأَ الرَّاهِنُ مِنْ حَقِّهِ كَانَتْ الْبَرَاءَةُ لَهُ تَامَّةً دُونَ صَاحِبِهِ، وَكَانَ نِصْفُ الْعَبْدِ خَارِجًا مِنْ الرَّهْنِ وَنِصْفُهُ مَرْهُونًا، وَإِذَا دَفَعَ إلَيْهِمَا مَعًا خَمْسِينَ أَوْ تِسْعِينَ فَالْعَبْدُ كُلُّهُ مَرْهُونٌ بِمَا بَقِيَ لَهُمَا لاَ يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ مِنْ الرَّهْنِ حَتَّى يَسْتَوْفِيَ أَحَدُهُمَا جَمِيعَ حَقِّهِ فِيهِ، فَيَخْرُجُ حَقُّهُ مِنْ الرَّهْنِ أَوْ يَسْتَوْفِيَا مَعًا فَتَخْرُجُ حُقُوقُهُمَا مَعًا وَالِاثْنَانِ الرَّاهِنَانِ وَالْمُرْتَهِنَانِ يُخَالِفَانِ الْوَاحِدَ كَمَا يَكُونُ الرَّجُلاَنِ يَشْتَرِيَانِ الْعَبْدَ فَيَجِدَانِ بِهِ عَيْبًا فَيُرِيدُ أَحَدُهُمَا الرَّدَّ بِالْعَيْبِ وَالْآخَرُ التَّمَسُّكَ بِالشِّرَاءِ فَيَكُونُ ذَلِكَ لَهُمَا، وَلَوْ كَانَ الْمُشْتَرِي وَاحِدًا فَأَرَادَ رَدَّ نِصْفَ الْعَبْدِ، وَإِمْسَاكَ نِصْفِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ‏.‏

رَهْنُ الْعَبْدِ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله‏:‏ وَإِذَا كَانَ الْعَبْدُ بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ فَأَذِنَا لِرَجُلٍ أَنْ يَرْهَنَهُ رَجُلَيْنِ بِمِائَةٍ فَرَهَنَهُ بِهَا وَوَكَّلَ الْمُرْتَهِنَانِ رَجُلاً يَقْبِضُ حَقَّهُمَا فَأَعْطَاهُ الرَّاهِنُ خَمْسِينَ عَلَى أَنَّهَا حَقُّ فُلاَنٍ عَلَيْهِ فَهِيَ مِنْ حَقِّ فُلاَنٍ وَنِصْفُ الْعَبْدِ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرْتَهِنٌ نِصْفُهُ فَسَوَاءٌ ارْتَهَنَا الْعَبْدَ مَعًا أَوْ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ ثُمَّ الْآخَرُ نِصْفَهُ بَعْدَهُ، وَهَكَذَا لَوْ دَفَعَهَا إلَى أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ، وَلَوْ دَفَعَهَا إلَى وَكِيلِهِمَا، وَلَمْ يُسَمِّ لِمَنْ هِيَ ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ لِفُلاَنٍ فَهِيَ لِفُلاَنٍ فَإِنْ قَالَ‏:‏ هَذِهِ قَضَاءٌ مِمَّا عَلَيَّ، وَلَمْ يَدْفَعْهَا الْوَكِيلُ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا ثُمَّ قَالَ‏:‏ ادْفَعْهَا إلَى أَحَدِهِمَا كَانَتْ لِلَّذِي أَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهَا إلَيْهِ، وَإِنْ دَفَعَهَا الْوَكِيلُ إلَيْهِمَا مَعًا فَأَخَذَاهَا ثُمَّ قَالَ‏:‏ هِيَ لِفُلاَنٍ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْآخَرِ مَا قَبَضَ مِنْ مَالِ غَرِيمِهِ‏.‏ أَلاَ تَرَى أَنَّهُ لَوْ وَجَدَ لِغَرِيمِهِ مَالاً فَأَخَذَهُ لَمْ يَكُنْ لِغَرِيمِهِ إخْرَاجُهُ مِنْ يَدَيْهِ‏.‏ وَإِذَا كَانَ الْمُرْتَهِنُ عَالِمًا بِأَنَّ الْعَبْدَ لِرَجُلَيْنِ، وَكَانَ الرَّهْنُ عَلَى بَيْعٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ خِيَارٌ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ، وَإِنْ افْتَكَّ الْمُرْتَهِنُ حَقَّ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ كَمَا لَوْ رَهَنَهُ رَجُلاَنِ عَبْدًا كَانَ لِأَحَدِهِمَا أَنْ يَفْتَكَّ دُونَ الْآخَرِ، وَلاَ خِيَارَ لِلْمُرْتَهِنِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرْتَهِنُ جَاهِلاً أَنَّ الْعَبْدَ لِاثْنَيْنِ فَقَضَاهُ الْغَرِيمُ مَا قَضَاهُ مُجْتَمِعًا فَلاَ خِيَارَ لَهُ، وَإِنْ قَضَاهُ عَنْ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ فَفِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ لَهُ الْخِيَارَ فِي نَقْضِ الْبَيْعِ لِأَنَّ الْعَبْدَ إذَا لَمْ يُفَكَّ إلَّا مَعًا كَانَ خَيْرًا لِلْمُرْتَهِنِ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ لاَ خِيَارَ لَهُ؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ مَرْهُونٌ كُلُّهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ‏.‏

رَهْنُ الرَّجُلِ الْوَاحِدِ الشَّيْئَيْنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا رَهَنَ الرَّجُلُ الرَّجُلَ عَبْدَيْنِ أَوْ عَبْدًا وَدَارًا أَوْ عَبْدًا، وَمَتَاعًا بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ خَمْسِينَ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا قِيمَتُهُ مِنْ الرَّهْنِ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الرَّهْنِ أَوْ نِصْفُهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ يُخْرِجُ مِنْهُ شَيْئًا حَتَّى يُوَفِّيَهُ آخِرَ حَقِّهِ، وَهَكَذَا لَوْ رَهَنَهُ دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامًا وَاحِدًا فَقَضَاهُ نِصْفَ حَقِّهِ فَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ نِصْفَ الطَّعَامِ أَوْ الدَّنَانِيرِ أَوْ الدَّرَاهِمِ أَوْ أَقَلَّ مِنْ الدَّرَاهِمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَلاَ يَفُكُّ مِنْ الرَّهْنِ شَيْئًا إلَّا مَعًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُعَجِّلُ بِالْقَضَاءِ الْتِمَاسَ فَكِّ جَمِيعِ الرَّهْنِ أَوْ مَوْضِعِ حَاجَتِهِ مِنْهُ‏.‏ وَلَوْ كَانَ رَجُلاَنِ رَهَنَا مَعًا شَيْئًا مِنْ الْعُرُوضِ كُلِّهَا الْعَبِيدِ أَوْ الدُّورِ أَوْ الْأَرْضِينَ أَوْ الْمَتَاعِ بِمِائَةٍ فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ الْقَاضِي وَالرَّاهِنُ مَعَهُ الَّذِي لَمْ يَقْضِ أَنْ يُخْرِجَ عَبْدًا مِنْ أُولَئِكَ الْعَبِيدِ قِيمَتُهُ أَقَلُّ مِنْ نِصْفِ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ نَصِيبُهُ رَهْنًا حَتَّى يَسْتَوْفِيَ الْمُرْتَهِنُ آخِرَ حَقِّهِ وَنَصِيبُ كُلِّ وَاحِدٍ مِمَّا رَهَنَا خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ وَذَلِكَ نَصِيبُ الَّذِي قَضَى حَقَّهُ‏.‏ وَلَوْ كَانَ مَا رَهَنَا دَنَانِيرَ أَوْ دَرَاهِمَ أَوْ طَعَامًا سَوَاءً فَقَضَاهُ أَحَدُهُمَا مَا عَلَيْهِ فَأَرَادَ أَنْ يَأْخُذَ نِصْفَ الرَّهْنِ، وَقَالَ الَّذِي أَدَعُ فِي يَدَيْك مِثْلُ مَا آخُذُ مِنْك بِلاَ قِيمَةٍ فَذَلِكَ لَهُ، وَلاَ يُشْبِهُ الِاثْنَانِ فِي الرَّهْنِ فِي هَذَا الْمَعْنَى الْوَاحِدَ فَإِذَا رَهَنَا الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَالطَّعَامَ الْوَاحِدَ فَأَدَّى أَحَدُهُمَا وَرَضِيَ شَرِيكُهُ مُقَاسَمَتَهُ كَانَ عَلَى الْمُرْتَهِنِ دَفْعُ ذَلِكَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ بَرِئَتْ حِصَّتُهُ كُلُّهَا مِنْ الرَّهْنِ وَأَنْ لَيْسَ فِي حِصَّتِهِ إشْكَالٌ إذْ مَا أَخَذَ مِنْهَا كَمَا بَقِيَ وَأَنَّهَا لاَ تَحْتَاجُ إلَى أَنْ تَقُومَ بِغَيْرِهَا، وَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ رَهْنُ أَحَدِهِمَا، وَقَدْ قُضِيَ مَا فِيهِ بِرَهْنِ آخَرَ لَمْ يَقْضِ مَا فِيهِ‏.‏

إذْنُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ فِي أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ مَا لِلْآذِنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ عَنْهُ عَبْدًا لِلْآذِنِ فَإِنْ لَمْ يُسَمِّ بِكَمْ يَرْهَنُهُ أَوْ سَمَّى شَيْئًا يَرْهَنُهُ فَرَهَنَهُ بِغَيْرِهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ قِيمَةً مِنْهُ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ، وَلاَ يَجُوزُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَالِكُ الْعَبْدِ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ وَيَرْهَنُهُ الرَّاهِنُ بِمَا سَمَّى أَوْ بِأَقَلَّ مِنْهُ مِمَّا أَذِنَ لَهُ بِهِ كَأَنْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِخَمْسِينَ؛ لِأَنَّهُ قَدْ أَذِنَ لَهُ بِالْخَمْسِينَ وَأَكْثَرَ، وَلَوْ رَهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ وَدِينَارٍ لَمْ يَجُزْ مِنْ الرَّهْنِ شَيْءٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَبْطَلَ الْمُرْتَهِنُ حَقَّهُ مِنْ الرَّهْنِ فِيمَا زَادَ عَلَى الْمِائَةِ لَمْ يَجُزْ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ لَمْ يَجُزْ الرَّهْنُ كَمَا لَوْ أَمَرَهُ أَنْ يَبِيعَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ فَبَاعَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ أَوْ بِمِائَةِ شَاةٍ لَمْ يَجُزْ الْبَيْعُ لِلْخِلاَفِ‏.‏ وَلَوْ قَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ قَدْ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ فَرَهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ‏.‏ وَقَالَ مَالِكُ الْعَبْدِ مَا أَذِنْت لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ إلَّا بِخَمْسِينَ دِينَارًا أَوْ مِائَةِ دِرْهَمٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ رَبِّ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِهَا إلَى أَجَلٍ، وَقَالَ مَالِكُ الْعَبْدِ‏:‏ لَمْ آذَنْ لَهُ إلَّا عَلَى أَنْ يَرْهَنَهُ بِهَا نَقْدًا كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ مَالِكِ الْعَبْدِ مَعَ يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ إلَى شَهْرٍ فَرَهَنَهُ إلَى شَهْرٍ وَيَوْمٍ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ مَعَ يَمِينِهِ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ‏.‏ وَلَوْ قَالَ‏:‏ ارْهَنْهُ بِمَا شِئْت فَرَهَنَهُ بِقِيمَتِهِ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ بِالضَّمَانِ أَشْبَهُ مِنْهُ بِالْبُيُوعِ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَهُ مَضْمُونًا فِي عُنُقِ عَبْدِهِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يَضْمَنَ عَنْ غَيْرِهِ إلَّا مَا عَلِمَ قَبْلَ ضَمَانِهِ، وَلَوْ قَالَ‏:‏ ارْهَنْهُ بِمِائَةِ دِينَارٍ فَرَهَنَهُ بِهَا إلَى سَنَةٍ فَقَالَ أَرَدْت أَنْ يَرْهَنَهُ نَقْدًا كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا؛ لِأَنَّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ إذَا كَانَ الْحَقُّ فِي الرَّهْنِ نَقْدًا بِافْتِدَاءِ الرَّهْنِ مَكَانَهُ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ رَهَنَهُ بِالْمِائَةِ نَقْدًا فَقَالَ‏:‏ أَذِنْت لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ بِالْمِائَةِ إلَى وَقْتٍ يُسَمِّيهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ، وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يُؤَدِّي الْمِائَةَ عَلَى الرَّهْنِ بَعْدَ سَنَةٍ فَيَكُونُ أَيْسَرَ عَلَيْهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ حَالَّةً، وَلاَ يَجُوزُ إذْنُ الرَّجُلِ لِلرَّجُلِ بِأَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ حَتَّى يُسَمِّيَ مَا يَرْهَنُهُ بِهِ وَالْأَجَلُ فِيمَا يَرْهَنُهُ بِهِ‏.‏ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ مَا كَانَ لَك عَلَى فُلاَنٍ مِنْ حَقٍّ فَقَدْ رَهَنْتُك بِهِ عَبْدِي هَذَا أَوْ دَارِي فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ حَتَّى يَكُونَ عَلِمَ مَا كَانَ لَهُ عَلَى فُلاَنٍ، وَالْقَوْلُ قَوْلُهُ أَبَدًا وَكُلُّ مَا جَعَلْت الْقَوْلَ فِيهِ قَوْلَهُ فَعَلَيْهِ الْيَمِينُ فِيهِ، وَلَوْ عَلِمَ مَالَهُ عَلَى فُلاَنٍ فَقَالَ لَك أَيُّ مَالِي شِئْت رَهْنٌ وَسَلَّطَهُ عَلَى قَبْضِ مَا شَاءَ مِنْهُ فَقَبَضَهُ كَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا حَتَّى يَكُونَ مَعْلُومًا، وَمَقْبُوضًا بَعْدَ الْعِلْمِ لاَ أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى الْمُرْتَهِنِ‏.‏ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ‏:‏ الرَّاهِنُ قَدْ رَهَنْتُك أَيَّ مَالِي شِئْت فَقَبَضَهُ أَلاَ تَرَى أَنَّ الرَّاهِنَ لَوْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت أَنْ أَرْهَنَك دَارِي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ أَرَدْت أَنْ أَرْتَهِنَ عَبْدَك أَوْ قَالَ الرَّاهِنُ‏:‏ اخْتَرْت أَنْ أَرْهَنَك عَبْدِي، وَقَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ اخْتَرْت أَنْ تَرْهَنَنِي دَارَك لَمْ يَكُنْ الرَّهْنُ وَقَعَ عَلَى شَيْءٍ يَعْرِفَانِهِ مَعًا، وَلَوْ قَالَ‏:‏ أَرَدْت أَنْ أَرْهَنَك دَارِي فَقَالَ الْمُرْتَهِنُ‏:‏ فَأَنَا أَقْبَلُ مَا أَرَدْت لَمْ تَكُنْ الدَّارُ رَهْنًا حَتَّى يُجَدِّدَ لَهُ بَعْدَ مَا يَعْلَمَانِهَا مَعًا فِيهَا رَهْنًا وَيُقْبِضَهُ إيَّاهُ‏.‏ وَإِذَا أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ بِشَيْءٍ مُسَمًّى فَلَمْ يَقْبِضْهُ الْمُرْتَهِنُ حَتَّى رَجَعَ الرَّاهِنُ فِي الرَّهْنِ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُقْبِضَهُ إيَّاهُ، وَإِنْ فَعَلَ فَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ‏.‏

قَالَ الشَّافِعِيُّ‏:‏ وَلَوْ أَذِنَ لَهُ فَأَقْبَضَهُ إيَّاهُ ثُمَّ أَرَادَ فَسْخَ الرَّهْنِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ الْآذِنُ أَخْذَ الرَّاهِنِ بِافْتِكَاكِهِ فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ حَالًّا كَانَ لَهُ أَنْ يَقُومَ بِذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَبِيعَ فِي مَالِهِ حَتَّى يُوَفِّيَ الْغَرِيمَ حَقَّهُ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ ذَلِكَ الْغَرِيمُ أَنْ يُسْلِمَ مَا عِنْدَهُ مِنْ الرَّهْنِ، وَإِنْ كَانَ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَهُ إلَى أَجَلٍ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهِ إلَى مَحِلِّ الْأَجَلِ فَإِذَا حَلَّ الْأَجَلُ فَذَلِكَ لَهُ كَمَا كَانَ فِي الْحَالِ الْأَوَّلِ‏.‏

الْإِذْنُ بِالْأَدَاءِ عَنْ الرَّاهِنِ

قَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله تعالى‏:‏ وَلَوْ أَدَّى الدَّيْنَ الْحَالَّ أَوْ الدَّيْنَ الْمُؤَجَّلَ بِإِذْنِهِ رَجَعَ بِهِ الْآذِنُ فِي الرَّهْنِ عَلَى الرَّاهِنِ حَالًّا، وَلَوْ أَدَّاهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ حَالًّا كَانَ الدَّيْنُ أَوْ مُؤَجَّلاً كَانَ مُتَطَوِّعًا بِالْأَدَاءِ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ الرُّجُوعُ بِهِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَلَوْ اخْتَلَفَا فَقَالَ الرَّاهِنُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ‏:‏ أَدَّيْت عَنِّي بِغَيْرِ أَمْرِي، وَقَالَ الْآذِنُ لَهُ فِي الرَّهْنِ‏:‏ قَدْ أَدَّيْت عَنْك بِأَمْرِك كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَ الرَّاهِنِ الْمُؤَدَّى عَنْهُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ؛ وَلِأَنَّ الْمُؤَدَّى عَنْهُ يُرِيدُ أَنْ يُلْزِمَهُ مَا لاَ يَلْزَمُهُ إلَّا بِإِقْرَارِهِ أَوْ بِبَيِّنَةٍ تَثْبُتُ عَلَيْهِ، وَلَوْ شَهِدَ الْمُرْتَهِنُ الَّذِي أَدَّى إلَيْهِ الْحَقَّ عَلَى الرَّاهِنِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ أَنَّ مَالِكَ الْعَبْدِ الْآذِنَ لَهُ فِي الرَّهْنِ أَدَّى عَنْهُ بِأَمْرِهِ كَانَتْ شَهَادَتُهُ جَائِزَةً وَيَحْلِفُ مَعَ شَهَادَتِهِ إذَا لَمْ يَبْقَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ، وَلَيْسَ هَا هُنَا شَيْءٌ يَجُرُّهُ صَاحِبُ الْحَقِّ إلَى نَفْسِهِ، وَلاَ يَدْفَعُ عَنْهَا فَأَرُدُّ شَهَادَتَهُ لَهُ، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ بَقِيَ مِنْ الْحَقِّ شَيْءٌ فَشَهِدَ صَاحِبُ الْحَقِّ الْمُرْتَهِنِ لِلْمُؤَدَّى إلَيْهِ أَنَّهُ أَدَّى بِإِذْنِ الرَّاهِنِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ جَازَتْ شَهَادَتُهُ لَهُ، وَكَانَ فِي الْمَعْنَى الْأَوَّلِ‏.‏ وَلَوْ أَذِنَ الرَّجُلُ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدًا لَهُ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَ عَبْدًا لَهُ آخَرَ ثُمَّ اخْتَلَفَا فَقَالَ مَالِكُ الْعَبْدِ‏:‏ أَذِنْت لَك أَنْ تَرْهَنَ سَالِمًا فَرَهَنْت مُبَارَكًا، وَقَالَ الرَّاهِنُ‏:‏ مَا رَهَنْت إلَّا مُبَارَكًا، وَهُوَ الَّذِي أَذِنْت لِي بِهِ، فَالْقَوْلُ قَوْلُ مَالِكِ الْعَبْدِ، وَمُبَارَكٌ خَارِجٌ مِنْ الرَّهْنِ‏.‏ وَلَوْ اجْتَمَعَا عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ لَهُ أَنْ يَرْهَنَ سَالِمًا بِمِائَةٍ حَالَّةٍ فَرَهَنَهُ بِهَا، وَقَالَ مَالِكُ الْعَبْدِ‏:‏ أَمَرْتُك أَنْ تَرْهَنَهُ مِنْ فُلاَنٍ فَرَهَنْته مِنْ غَيْرِهِ كَانَ الْقَوْلُ قَوْلَهُ وَالرَّهْنُ مَفْسُوخٌ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَأْذَنُ فِي الرَّجُلِ الثِّقَةِ بِحُسْنِ مُطَالَبَتِهِ، وَلاَ يَأْذَنُ فِي غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ لَهُ‏:‏ بِعْهُ مِنْ فُلاَنٍ بِمِائَةٍ فَبَاعَهُ مِنْ غَيْرِهِ بِمِائَةٍ أَوْ أَكْثَرَ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ؛ لِأَنَّهُ أَذِنَ لَهُ فِي بَيْعِ فُلاَنٍ، وَلَمْ يَأْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِ غَيْرِهِ‏.‏ وَإِذَا أَذِنَ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ أَنْ يَرْهَنَ عَبْدَهُ فُلاَنًا وَأَذِنَ لِآخَرَ أَنْ يَرْهَنَ ذَلِكَ الْعَبْدَ بِعَيْنِهِ فَرَهَنَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى الِانْفِرَادِ وَعَلِمَ أَيَّهُمَا رَهَنَهُ أَوَّلاً فَالرَّهْنُ الْأَوَّلُ جَائِزٌ وَالْآخَرُ مَفْسُوخٌ، وَإِنْ تَدَاعَيَا الْمُرْتَهِنَانِ فِي الرَّهْنِ فَقَالَ أَحَدُهُمَا‏:‏ رَهْنِي أَوَّلٌ، وَقَالَ الْآخَرُ‏:‏ رَهْنِي أَوَّلٌ وَصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الَّذِي رَهَنَهُ أَوْ كَذَّبَهُ أَوْ صَدَّقَ الرَّاهِنَانِ الْمَأْذُونِ لَهُمَا بِالرَّهْنِ أَحَدَهُمَا، وَكَذَّبَا الْآخَرَ فَلاَ يُقْبَلُ قَوْلُ الرَّاهِنَيْنِ، وَلاَ شَهَادَتُهُمَا بِحَالٍ؛ لِأَنَّهُمَا يَجُرَّانِ إلَى أَنْفُسِهِمَا وَيَدْفَعَانِ عَنْهَا‏.‏ أَمَّا مَا يَجُرَّانِ إلَيْهَا فَاَلَّذِي يَدَّعِي أَنَّ رَهْنَهُ صَحِيحٌ يَجُرُّ إلَى نَفْسِهِ جَوَازَ الْبَيْعِ عَلَى الرَّاهِنِ، وَأَنْ يَكُونَ ثَمَنُ الْبَيْعِ فِي الرَّهْنِ مَا كَانَ الرَّهْنُ قَائِمًا دُونَ مَالِهِ سِوَاهُ وَأَمَّا الَّذِي يَدْفَعُ أَنَّ رَهْنَهُ صَحِيحٌ فَأَنْ يَقُولَ رَهْنِي آخِرٌ فَيَدْفَعُ أَنْ يَكُونَ لِمَالِكِ الرَّهْنِ الْآذِنِ لَهُ فِي الرَّهْنِ أَنْ يَأْخُذَهُ بِافْتِكَاكِ الرَّهْنِ، وَإِنْ تَرَكَهُ الْغَرِيمُ‏.‏ وَإِنْ صَدَّقَ مَالِكُ الْعَبْدِ الْمَرْهُونِ أَحَدَ الْغَرِيمَيْنِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ مَالُهُ وَفِي ارْتِهَانِهِ نَقْصٌ عَلَيْهِ لاَ مَنْفَعَةَ لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ مَالِكُ الْعَبْدِ، وَلَمْ يَدْرِ أَيَّ الرَّهْنَيْنِ أَوَّلاً فَلاَ رَهْنَ فِي الْعَبْدِ، وَلَوْ كَانَ الْعَبْدُ الْمَرْهُونُ حِينَ تَنَازَعَا فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا أَوْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً أَنَّهُ كَانَ فِي يَدِهِ، وَلَمْ تُوَقِّتْ الْبَيِّنَتَانِ وَقْتًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَهْنًا فِي يَدِ أَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ فَلاَ رَهْنَ، وَإِنْ وَقَّتَتْ وَقْتًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَانَ رَهْنًا لِأَحَدِهِمَا قَبْلَ الْآخَرِ كَانَ رَهْنًا لِلَّذِي كَانَ فِي يَدَيْهِ أَوَّلاً‏.‏ وَأَيُّ الْمُرْتَهِنَيْنِ أَرَادَ أَنْ أُحَلِّفَ لَهُ الْآخَرَ عَلَى دَعْوَاهُ أَحَلَفْتُهُ لَهُ، وَإِنْ أَرَادَ أَنْ أُحَلِّفَ لَهُمَا الْمَالِكَ أَحَلَفْته عَلَى عِلْمِهِ، وَإِنْ أَرَادَا أَوْ أَحَدُهُمَا أَنْ أُحَلِّفَ لَهُ رَاهِنَهُ لَمْ أُحَلِّفْهُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَقَرَّ بِشَيْءٍ أَوْ ادَّعَاهُ لَمْ أُلْزِمْهُ إقْرَارَهُ، وَلَمْ آخُذْ لَهُ بِدَعْوَاهُ‏.‏ وَلَوْ أَنَّ رَجُلاً رَهَنَ عَبْدَهُ رَجُلَيْنِ وَأَقَرَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِقَبْضِهِ كُلِّهِ بِالرَّهْنِ، فَادَّعَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَنَّ رَهْنَهُ، وَقَبْضَهُ كَانَ قَبْلَ رَهْنِ صَاحِبِهِ، وَقَبْضِهِ، وَلَمْ يَقُمْ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ عَلَى دَعْوَاهُ، وَلَيْسَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَصَدَّقَ الرَّاهِنُ أَحَدَهُمَا بِدَعْوَاهُ فَالْقَوْلُ قَوْلُ الرَّاهِنِ، وَلاَ يَمِينَ عَلَيْهِ لِلَّذِي زَعَمَ أَنَّ رَهْنَهُ كَانَ آخِرًا، وَلَوْ قَامَتْ بَيِّنَةٌ لِلَّذِي زَعَمَ الرَّاهِنُ أَنَّ رَهْنَهُ كَانَ آخِرًا بِأَنَّ رَهْنَهُ كَانَ أَوَّلاً كَانَتْ الْبَيِّنَةُ أَوْلَى مِنْ قَوْلِ الرَّاهِنِ، وَلَمْ يَكُنْ عَلَى الرَّاهِنِ أَنْ يُعْطِيَهُ رَهْنًا غَيْرَهُ، وَلاَ قِيمَةَ رَهْنٍ، وَلَوْ أَنَّ الرَّاهِنَ أَنْكَرَ مَعْرِفَةَ أَيِّهِمَا كَانَ أَوَّلاً وَسَأَلَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَمِينَهُ وَادَّعَى عِلْمَهُ أَنَّهُ كَانَ أَوَّلاً أُحْلِفَ بِاَللَّهِ مَا يَعْلَمُ أَيَّهُمَا كَانَ أَوَّلاً، وَكَانَ الرَّهْنُ مَفْسُوخًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي أَيْدِيهِمَا مَعًا، وَلَوْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَصَدَّقَ الرَّاهِنُ الَّذِي لَيْسَ الرَّهْنُ فِي يَدَيْهِ كَانَ فِيهَا قَوْلاَنِ‏.‏ أَحَدُهُمَا‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الرَّاهِنِ كَانَ الْحَقُّ الَّذِي أَقَرَّ لَهُ الرَّاهِنُ فِي الْعَبْدِ أَقَلَّ مِنْ حَقِّ الَّذِي زَعَمَ أَنَّ رَهْنَهُ كَانَ آخِرًا أَوْ أَكْثَرَ؛ لِأَنَّ ذِمَّتَهُ لاَ تَبْرَأُ مِنْ حَقِّ الَّذِي أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ رَهْنُهُ آخِرًا، وَلاَ تَصْنَعُ كَيْنُونَةُ الرَّهْنِ هَا هُنَا فِي يَدِهِ شَيْئًا؛ لِأَنَّ الرَّهْنَ لَيْسَ يُمْلَكُ بِكَيْنُونَتِهِ فِي يَدِهِ‏.‏ وَالْآخَرُ‏:‏ أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الَّذِي فِي يَدَيْهِ الرَّهْنُ؛ لِأَنَّهُ يَمْلِكُ بِالرَّهْنِ مِثْلَ مَا يَمْلِكُ الْمُرْتَهِنُ غَيْرَهُ‏.‏